الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ }

" الصبر " في اللُّغة منْع النفس محابَّها وكفّها عن هواها، ولا بدّ للصبر من قوّة في الإنسان بها يصبِر عن الملذّات، ويصبر على المعاصي؛ لأنّ لكلّ فعل وأثر مبدأ لا محالة، ومبدأ الأفعال والانفعالات يسمّى عند أهل الحِكمة " قوّة ". ففي الإنسان قوّة تسمى بالصبر، تسميةً للشيء باسم سببه، كما أنّ له قوّة تسمّى بالشهوة، وهاتان متقابلتان تقابل التضادّ وسيأتي تحقيق التضادّ بينهما.

قال سهل بن عبد الله: الصبر انتظار الفرَج من الله، وهو أفضل الخدمة وأعلاها.

وقال بعضهم: الصبر أن تصبِر على الصبْر بأن لا تطالع فيه الفرَج.

ومن أقسامه الصبر على المعصية، بكفّ الصابر نفسَه عن الجزع، ويقال: " فلان قُتل صَبراً " وهو أن يُنصب للقتل ويُحبس عليه حتى يقتل.

وفي الحديث: " أُقتلُوا القاتلَ، واصبروا الصابِرَ " وذلك فيمن أمسَكه حتّى قتلَه آخر، فأمِر بقتل القاتِل وحبس المُمسك.

والخشوع، والخضوع، والاخبات، نظائر. وضد الخُشوع: الاستكبار، و " خشَع الرجل " إذا رمى ببصره إلى الأرض. و " اختشَع " إذا طأطأ رأسه كالمتواضع وهو قريب المعنى بالخضوع إلاّ أنّ الخضوع في البدن والأعضاء، والخشوع في الصوت والبصر. قال سبحانهخَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ } [القلم:43] وخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ } [طه:108]. أي: سكنت.

واختُلف في مَن نزلت الآية؟ فقومٌ قالوا: المخاطبون هم المؤمنون، إذ لا صلاة لغيرهم ولا صبر يتصور لهم على أمور وعن أمور لم يعرفوا أحكامها عن دين محمد (صلى الله عليه وآله).

وهذا ضعيفٌ، لتعبّد غيرهم بصلاة وصبر في الجملة، وإن لم يتعبّدوا بهما على هذه الكيفيّة، لأنّ كلّ أحد يعلم بعقله الذي هو حجّة الله عليه أنَّ الصبر على ما يجب الصبرُ عليه حسَن، وأنّ الصلاة التي هو التواضع، والتذلّل للمعبود الأوّل، والاشتغال بذكره، وعرفانه، تُريح القلبَ عن محَن الدنيا وآفاتها.

وقوم قالوا: هم اليهود، وتتناول المسلمين على وجه التأديب.

والأولى أن تكون خطابات القرآن غير مختصّة بقوم دون قوم، لتكون قوانينه كلّية عقليّة - كما مر -.

فمَن خصّص الخطاب باليهود قال: إن حبّ الرياسة والترفّعات التي تكون لعلماء الدنيا، الراغبين في المناصب - كالقضاء، والحكومة، والإمامة، والشيخوخة، والوعظ، والحسبة، وغيرها - كانت تمنعهم عن اتّباع النبي (صلى الله عليه وآله)، لأنّهم خافوا زوال الرئاسة إذا اتّبعوه، فأمَرهم الله تعالى بالاستعانة فقال: { وَٱسْتَعِينُواْ } على الوفاء بعهدي الذي عاهَدتكم في كتابكم عليه في طاعتي، واتّباع أمري، وترك ما نهيتكم عنه، والتسليم لأمري، واتّباع رسولي محمّد (صلى الله عليه وآله) { بِٱلصَّبْرِ } على ما أنتم فيه من ضيق المعاش، وفوت الجاه الذي تأخذون الأموال من عوامكم بسببه.

والمروي عن أئمتنا (عليهم السلام) انّ المراد بالصوم الصبر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10