الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

الهمزة للتقرير مع التقريع والتعجيب.

البِرّ - في اللغة - والإحسان والصِّلَة نظائرُ. يقال: فلان بارّ، وَصول، مُحسِن. وضد البرّ: العُقُوق. والبِرّ، والبُرّ، لغتان. وقولهم: " لا يَعرف الهِرَّ من البِرِّ " قال الأخفش: " معناه لا يعرف من يهرّ عليه ممن يبرّ عليه ". وقال المازني: " الهِرّ: السنّور. والبرّ: الفأرة أو دويبة تشبهها ".

والبرّ اسم جامع لأعمال الخير، ومنه " برّ الوالدين " و " عملٌ مَبرور ". وقد يكون بمعنى الصدق، كما يقال: " برَّ في يمينه " أي: صدَق ولم يحنث. وقيل: البرّ التوسّع في الخير، من البَرّ - وهو الفضاءُ الواسع - يتناول كلَّ خير. ولذلك قيل: " البرّ ثلاثة: بِرٌّ في عبادة الله، وبِرٌّ في مراعاة الأقارب، وبِرٌّ في معاملة الأجانب ".

والنِّسيان، والسَّهو، والغَفلة، متقاربة في المعنى، والتفاوت بينهما بالشدّة والضعف، كما أنّ للذكْر مراتب متفاوتة: ما بالفعل، وما بالقوة القريبة، أو البعيدة.

{ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } أي تقرؤون التوراة وتدرسونها، وتعلمون ما فيها، من الحثّ على أفعال البرّ، والاعراض عن أفعال الإثم. أو أنتم من أهل التلاوة والدراسة والمذاكرة للكتب العلمية، ولستم من العوام والجهّال { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } قُبْحَ ما تفعَلون؟!

والعَقْل، والفهم، والمعرفة، واللبّ، نظائر. وضد العقْل الحُمق.

والعقْل في الأصل: الحبْس والرَّبط. والعِقال: الرباط. يقال: " عقَلتُ البعيرَ أعقله عقْلاً " إذا شدَدت يدَه بالعِقال. فسمّي به الادراك الإنساني، لأنّه يحبسه عن فعل ما يقبح، ويعقِله عن فعل ما يحسن، ثمّ تسمّى به القوّة التي بها النفس تدرك هذا الادراك.

وقيل: العقلُ مجموع علوم لأجلها يمتنع الحيّ من كثير من المقبحات، ويفعل كثيراً من الواجبات. وإنّما سميت تلك العلوم " عقلا " ، لأنّها تعقل عن فعل القبيح، ولا يوصف القديم تعالى بأنّه عاقل، لأنّه لا يعقله شيء عن فعل القبيح، وإنّما لا يختاره لغناه عنه، وعلْمه بقُبحه، ولعلمه بوجوه الحكمة والمصلحة المقتضية لفعل الخير علماً ذاتياً.

وقيل: العقل هو العلْم الذي يزجر عن قبيح الفعل، ومن كان زاجره أقوى فهو أعقل. وقيل: العقل معرفة يفصل بها بين القبيح والحسن في الجملة. وقيل: هو التمييز الذي فارَق به الإنسان سائر الحيوان وهذه الأقوال متقاربة المعاني.

ولفظ " العقل " يُطلق في عُرف الحكماء على معاني أُخرى: منها قوّة في النفس تسمّى عقلاً نظرياً ومنها قوّة أُخرى فيه تسمّى عقلاً علمياً - ولكل منهما مراتب أربعة يطلق عليها اسم العقل - ومنها جوهر مفارق في الوجود والتأثير عن الأجسام وما يتعلّق بها، وهو أشرف أقسام الممكنات ولا واسطة بينه وبين الباري جلّ ذكره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد