الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ }

لمّا أمرَهم أوّلاً بما يتعلّق بالعلوم الدينية كالإيمان بالمعارف الإلهيّة المنزَلة على النبي (صلى الله عليه وآله) في القرآن، ثمّ نهاهم ثانياً عن الكفر بها طلباً للعاجل، وعن المغالطة وتلبيس الحقّ بالباطل، وكتمان دلائل النبوّة، فكلّفهم بعد ذلك بالتزام الأعمال الشرعيّة، وذكر من جملتها ما هو كالدعائم والأصول فيها - وهو الصلاة التي هي أعظم العبادات البدنيّة، والزكاة التي هي أعظم العبادات الماليّة - أعني صلاة المسلمين وزكاتهم، وأنّ غيرهما كَلا صلاة ولا زكاة، وبالجملة أمَرهم بفروع الإسلام العمليّة كما أمَرهم بأصوله العلميّة.

وفيه دليلٌ على أنّ الكفّار مأمورون بالفروع وإن لم يصحّ منهم إلاّ بعد الإيمان.

الصلاة

واعلم أنّ لفظ الصلاة من الأسماء الشرعيّة، ولا شيهة في أنّها عربيّة، فلا يجوز أن يكون الشرع ارتجلها ابتداء من غير نقْل، وإلاّ لم يصح قوله تعالى:إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [يوسف:2]. فلا بدّ أن يكون له في اللُّغة معنى آخر. فاختلفوا في أصله:

فقيل: الدُّعاء. قال الأعشى.
عليك مثلُ الذي صلَّيت فاغتمضي   نوماً فإنّ لجنب المرء مضطجعا
أي: دعوت. وقيل: اللزوم. قال الشاعر:
لم أكُن من جناتها - عَلِم   اللهُ - وإنّي بحرّها اليوم صال
أي: ملازم بحرّها. فكان معنى الصلاة ملازمة العبادة على الحدّ الذي أمر الله به.

وقيل: أصلها من " الصَّلا " وهي: عظم العَجْز. لرفعه في الركوع والسجود.

وقيل: مأخوذة من " المُصَلّي " وهو الفرس الذي يتبع غيره.

وعلى القول الأول أكثر العلماء، إذ لا صلاة إلاّ ويقع فيها الدعاء أو ما يجري مجراه. وربما تخلو صلاة عن متابعة الغير، وإذا عمّ وجه الشبه في كلّ الصور كان أولى ممّا يختصّ ببعضها. وأيضاً اطلاق اسم الجزء على الكلّ أمرٌ شائع مشهور، فالحمل عليه أولى.

قال بعض الصوفية: اشتقاق الصلاة قيل من " الصَّلى ". وهي النار. والخشبة المعوجة إذا أرادوا تقويمها تُعرض على النار ثمّ تقوّم. وفي العبد اعوجاج لوجود نفسه الأمّارة بالسوء، وسبَحات وجه الله الكريم التي لو كشف حجابها لأحرقت مَن أدركته، يصيب بها المصلّي من وهج السطوة الإلهية والعظمة الربّانيّة ما يزول اعوجاجه، بل يتحقّق به معراجُه. فالمصلّي كالمصطلي بالنار. ومن اصطلى بنار الصلاة وزال بها اعوجاجُه لا يُعرض على نار جهنم.

ورَوى أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني - ره - في الكافي، والصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه: أنّه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ما مِن صلاة يحضُر وقتُها إلاّ نادى ملَك بين يدَي الناس: أيُّها الناس قُوموا إلى نيرانِكم التي أوقدتُموها على ظُهورِكم، فاطفؤُها بصلاتكم ".

وقد ورَد: " إنّ الله إذا تجلّى لشيء خضَع له "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7