الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

عطفٌ على ما قبله، وقوله تعالى:وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ } [البقرة:41] أمرٌ بترك الكفر والضلال. وقوله: { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ } إشارة إلى الأوّل، لأنّه تشويش الدلائل على الحقّ. وقوله: { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } إشارة إلى الثاني، لأنّه منع للوصول إلى الدلائل.

و " اللَّبْس ": الخلْط.

و " الباء " التي في " الباطل " إما للاستعانة كقولك " كتبتُ بالقلم " وكان المعنى: " ولا تلبسوا الحقَّ بسبب ابداء الشبهات على السامعين " وإما للصلة كقولك: " لبّست كذا بكذا " وكان المعنى: " ولا تجعلوا الحقَّ ملتبساً عليهم بسبب الباطل الذي تكتبونه في خلاله، أو تذكرونه في تأويله ". أو " لا تكتبوا في التوراة ما ليس منها، حتى لا يتميّز، فيختلط الحقُّ المنزَل بالباطل الذي تخترعونه أو تكتبونه ".

وقوله: { وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } جزمٌ داخل تحت حكم النهي، كأنّهم أُمروا بالإيمان، وترك الضلال، ونهوا عن الاضلال بالتلبيس على من سمع الحقّ، والاخفاء على مَن لم يسمعه. أو منصوبٌ باضمار " أن " و " الواو " بمعنى الجمع، أي: لا تجمعوا بين لبْس الحقّ بالباطل وكتمان الحق " كقولك: " لا تأكل السمك وتشرب اللبن " ويؤيّده أنَّه في قراءة ابن مسعود: " وتكتمون " بمعنى " كاتمين " ، فإنّه إشعارٌ بأن استقباح اللَّبس لما يصحبه من كتمان الحقّ، ولا شكّ في أنّ كلاًّ منهما ممّا يمكن وقوعُه وجداناً، وإنّ الجمع بينهما أقبح، وهم يفعلونهما جميعاً.

وذلك لأنّ النصوص الواردة في التوراة والإنجيل في شأن محمّد (صلى الله عليه وآله) بعضها بحيث يمكن اخفاء دلالتها - إذ فيها نوع خفاء، فكانوا يكتمونها - وبعضها في الجلاء والظهور بحيث لا يخفى على العقول السليمة وجه دلالتها، إذا لم يشوّشها شبهةُ مضلّ وتلبيس ملبِّس مجادِل، فكانوا يشوّشون وجه الدلالة على المتأمّلين الناظرين بسبب ابداء الشبهات والمجادلات. فهذا هو المراد بقوله: { وَتَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ } وهو المذكور أيضاً في قوله:وَجَادَلُوا بِٱلْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } [غافر:5].

وقوله: { وَتَكْتُمُوا ٱلْحَقَّ } إشارة إلى القسم الأوّل. وقوله: { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وقَع حالاً. أي: عالِمين بأنّكم لابِسون، كاتمون. فإنّه أقبح، إذ الجاهل ربما يتصوّر له عذر. والتقييد به لا يدلَّ على جوازهما حال عدم العلْم. بل على أنّ الاقدام على الفعل الضارّ مع العلم بكونه ضاراً أفحش من الاقدام عليه عند الجهل بكونه ضارّاً. فلمّا كانوا عالِمين بما في التلبيس من المفاسِد، كان إقدامهم عليه أقبَح.

وبالجملة، الخطاب متوجّه إلى رؤساء أهل الكتاب، وهم يجحَدون ما يعلمون، وجَحْد المعانِد أعظم من جحْد الجاهل.

وقيل معناه: " وأنتم تعلمون البعث والجزاء ".

السابقالتالي
2 3 4