الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ }

لما عمّم الله تعالى جميع الخَلْق بالحجَج الواضحة، الدلالةِ على التوحيد، والنبوّة، والمعاد، وذكَّرهم ما أنعم عليهم في أبيهم آدم (عليه السلام)، ونبَّههم على مكامن خِلقتهم، ومبادئ، نشأتهم عقَّبها بإزالة شُبه المنكرين، وقمْع أوهام المعاندين، باقامة الحجَّة على طائفة مخصوصين، وهم اليهود الذين كانوا بالمدينة، لأنّهم أكثرُ الناس انكاراً للنبوّة، كما أنَّ كفار قريش كانوا أكثر الناس انكاراً للتوحيد. وقيل: الخطاب لليهود والنصارى، وهم جميعاً من أهل الكتاب، المحجوبين عن الدين، بل عن الحقّ مطلقاً، واليقين.

فشرَع أوّلاً في ذكر الانعامات الخاصّة على أسلاف اليهود وآبائهم، تذكيراً لنعمه، وعظيم منَنه عليهم، واستمالة لقلوبهم، وتنبيهاً على ما يدلّ على نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) من حيث اخباره عن المغيبات، والأحوال الماضية، والأديان السابقة، ثمّ أمرهم بايفاء عهد الله من الاقرار بالربوبيّة، والاعتراف بتمام نعمته في بعثة نبيِّه الخاتَم للرسل، وانزال كتابه الجامع للكلِم، والحاوي للحِكَم، المفصِح المعرِب عن كلّ دقيق وجليل، المصدّق لما بين أيديهم من التوراة والانجيل، ليكافئهم الله بإيفاء عهدهم من حسْن الجزاء وسعادة المسرى، ثمّ حذَّرهم ورهَّبهم عن التعرّض لما يوجِب سخطَه، ويحجب عن رحمته من انكار الحقّ وكتمانه، وتلبيسه بالباطل، أو ترويج الباطل وابرازه في صورة الحقّ لاتّباع الهوى وطلب العادلة وترك الآجلة.

فالكلام من هذه الآية إلى أوائل الجزء الثاني مسوقٌ مع طائفة أهل الكتاب ومتكلّمي اليهود والنصارى، احتجاجاً عليهم وإنذاراً لهم على أبلغ وجه وآكَده. ومن تأمّل في تضاعيف ما ذكر في هذه الآيات من الإشعار بفنون نِعم الله العامّة، والخاصّة لطائفة أهل الكتاب، ثمّ اردافها بالترغيب البالغ بقوله:وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة:47] مقروناً بالترهيب البالغ بقوله:وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } [البقرة:48] - إلى آخر الآية - علِم أنَّ هذا هو النهاية في حسن الترتيب لمن يريد الدعوة وتحصيل الاعتقاد في قلب المستمع.

ولنرجع إلى تفسير الألفاظ:

{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ }: يا أولاد يعقوب. الابْن، والوَلَد، والنَسْل، والذُرِيَّة، متقاربة المعاني، إلاّ أنَّ " الابن " للذكَر، و " الولَد " يقع على الذكَر والأنثى و " النسْل " و " الذريّة " يقعان على جميع ذلك. وأصل " ابْن " من " البنَاء " ، وهو وضْعُ الشيء على الشيء، لأنّه يبنى على الأبْ لأنّه الأصل، والابن فرعٌ له منسوب إليه، كما ينسب المصنوع إلى صانعِه. فيقال: " أبو الحَرب " وكأنّ اطلاق الأبْ على العلّة الموجِدة، والإبن على المعلول في بعض ألسِنة القدماء من هذه الجهة، لأنّ العلّة الموجِدة للشيء هي أصل وجوده، ووجودُ المعلول فرعه، فكانوا يسمّون المبادئ بالآباء، يقولون للباري جلّ مجده: " أب الآباء " أعني علّة العلل، لا بالمعنى الذي زاغت النصارى لأجل ذلك وصُلَت أفهامهم من قول المسيح (عليه السلام): " إنّي ذّاهِبٌ إِلى أبي وأبيكم " أي: ربّي وربّكم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد