الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{ تَلَقَّىٰ }: أي قبِل وأخذ وتناوَل آدمُ على سبيل الطاعة من ربِّه وربِّ كلّ شيء: كلمات. والمراد فجعلها وسيلة. أو سأله بحقّهن.

وإنّما اكتفى لدلالة ما بعده عليه. ولأنّ معنى التلقّي يفيد ذلك وينبِئ عمّا حذف من الكلام اختصاراً. ولذلك قال: { فَتَابَ عَلَيْهِ } بالفاء الدالة على الترتيب، لأنّه لم يتُب وَلا يتوب عليه إلاّ يسأله بتلك الكلمات، وكان الله قد علَّمه طريق الإنابة، وعرّفه وجوب التوبة، وهداه إلى التوسّل بتلك الكلمات.

وقرأ ابن كثير { آدمَ } بالنصب و { كَلِمَاتُ } بالرفع، ومعناه غير ذلك، وهو أن الكلمات تداركته بالنجاة والرحمة.

ويحتمل أن يقال: إن التلقّي لما كان من المعاني الإضافيّة - وكان مَن تلقّى رَجُلاً فَتلاقَيا كلّ واحد صاحِبَه، وأُضيف الاجتماع إليهما معاً - صلح أن يشتركا في الوصف بذلك فيقال: كُلَّما تلقّيتَه فقَد تلقاكَ، فجاز أن يقال: " تَلَقّى آدمُ كلماتٍ " أي: أخذها واستقبلها. وجاز بالنصب. أي: جاءتْ من الله وتلقّته كلماتٌ. على مثل قوله:لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة:124]. في قراءة ابن مسعود.

وتلك الكلمات هي كلمات الله التي لا تبيد ولا تنفد أبداً، وهي الجواهر العالية الموجودة بأمْر الله، بل هي نفْس أوامر الله، وصوَر ما في علْم الله. وبمعرفتها، والاتّصال بها، والاعتصام بعُراها التي لا انفصام لها نجَت النفس الآدميّة عن عذاب يوم الآخرة.

وفي الأدعية النبويّة: " أعوذُ بكلمات اللهِ التامّاتِ مِن شرِّ ما ذرءَ في الأرضِ وما يَخرجُ منها، وما يَنزل مِن السماءِ ".

واختلف في تلك الكلمات ما هي: فقيل:رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [الأعراف:23] - الآية - وهو المرويّ عن الحسن، وقتادة، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأنَّ في ذلك اعترافاً بالخطيئة، فلذلك وقعتْ موضع النَّدم، وحقيقته الإنابة.

وقيل: هي قوله: " لاَ إِلهَ إلاَّ أنتَ، سبحانَك وبحمدِك ربِّ انِّي ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين. اللهم لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدِك ربِّ انّي ظلمتُ نفْسي فارحمني إنّك خير الراحمين. اللهم لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربِّ انّي ظلمتُ نفْسي فتُبْ عليَّ إنّك أنت التوّاب الرحيم " عن مجاهد، وهو المرويّ عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).

وقيل: بل هي " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ اللهُ، والله أكبر ".

وعن ابن مسعود: إنّ أحبَّ الكلام إلى الله ما قاله أبونا حين اقترف السيئة: " سبحانك اللهم وبحمدك وتباركَ اسمك وتعالى جدّك؛ لا إله إلاّ أنت ظلمت نفسي فاغفر لي، إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت ".

وروي عن أهل البيت (عليهم السلام): " إنّ آدم رأى مكتوباً على العرشِ أسماء مكرّمة معظّمة، فسأل عنها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد