الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ }

[مقامات الإنسان]

إعلم أنَّ للإنسان الكامل درجاتٌ، ومقاماتٌ، في بدايات أحواله، ومبادئ وجوده؛ كما أنَّ له درجاتٌ، ومقاماتٌ في نهايات أموره، وعوائد بقائه.

فأوّل مقاماته في البداية، كونه مقدَّراً في علْم الله، وفيضه الأقدس، أن يكون خليفة لله في الأرض؛ وهو مقام عينه الثابت الذي قيل: " إنّه غير مجعول ". وهو مقام أخذ الميثاق.

ثمّ مقام مسجوديّته للملائكة؛ وذلك في جنّة الأرواح وعالَم القدس، وفيه صوَر الأسماء الإلهيّة كلّها.

والمقام الثالث: هو أوّل تعلُّق روحه بالبدن في عالَم السماء، بعد عالَم الأسماء بواسطة لطيفة حيوانيّة متوسّطة بين الروح العقلاني وهذا البدن الكثيف الظلماني. والإنسان بواسطة تلك اللطيفة الحيوانيّة التي تكون على صورته في عالَم الأشباح له أن يدخل دارَ الحيوان وجنّة الأبدان، فقوله تعالى: { يَاآدَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } إشارة إلى هذا المقام.

والمقامُ الرابع: هو مرتبة هبوطِه إلى عالَم الأرض، وتعلّقه بهذا البدن الكثيف الظلماني، المركّب من الأضداد، المنشأ للعداوة والفساد، والحسد والعناد، المحجوب عن عالَم المعاد، وهذا غاية النزول عن الفطرة الأصليّة.

ثمّ يقع بعد ذلك الرجوعُ إلى الفطرة، والعودُ إلى المبدإ بالسيْر الرجوعي على عكس السيْر النزولي، بالخلاص عن هذه القيود، والتبرّي عن هذا الوجود، ورَدِّ الأمانات إلى أهلها، والخروج عن كلّ حول وقوّة إلى حول الله وقوّته، ففي هذا لرجوع أيضاً مقامات ودرجات، كما هو مذكور في أحوال الآخرة.

جنّة آدم أهي الجنّةُ المَوعودةُ، أم غيرها؟

واختلفوا في أنّ الجنّةَ التي خرَج منها آدمُ وزوجتُه، بعينها الجنّة الموعودة، ودار الثواب، وجنّة الخُلد؟ أم هي جنّةٌ أُخرى غيرها؟

قال بعضُ العرفاء: الجنّة التي تكون الأرواح فيها بعد المفارقة من النشأة الدنياويّة، غير التي بين الأرواح المجرّدة وبين الأجسام، لأنّ تنزُلات الوجود ومعارجه دوريّة. والمرتبة التي قبل النشأة الدنياويّة، هي من مراتب التنزلات ولها الأوليّة، والتي بعدها من مراتب المعارج ولها الأقربيّة.

وأيضاً الصور التي تلحق الأرواح في البرزخ الأخير، إنّما هي صوَرُ الأعمال، ونتيجة الأفعال السابقة في النشأة الدنياويّة بخلاف صوَر الجنّة الأولى، فلا يكون كلٌّ منهما عين الآخر. لكنّهما تشتركان في كونهما عالَماً حيوانياً، وجوهراً نورانياً غير متعلّق الوجود بالمادّة الظلمانيّة، مشتملاً على أمثلة ما في العالَم.

وقد صرّح صاحب الفتوحات المكيّة في الباب الحادي والعشرين وثلاثمأة من كتابه، بأنّ هذا البرزخ غير الأوّل. ويسمّى الأول بالغيب الإمكاني. والثاني بالغيب المحالي. لإمكان ظهور ما في الأوّل في الشهادة، وامتناع رجوع ما في الثاني إليها، إلا في الآخرة.

" وقليلٌ مَن يكاشفه بخلاف الأوّل. ولذلك يشاهد كبراؤنا، ويكاشف البرزخ الأول، فيعلم ما يريد أن يقعَ في العالَم الدنيوي من الحوادث، ولا يقدر على مكاشفة أحوال الموتى " انتهى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9