الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }

وقرئ: " أَنْبِيهِم " بقلب الهمزة ياء، و " أَنْبِهِم " بحذفها. والهاء مكسورة فيهما.

إنّ الله أمرَ آدم عليه السلام بأن يخبرهم عن أسماء الأشياء، وهي صور ما في علم الله الموجودة بأنحاء متفاوتة بعضها فوق بعض، فإن حقائق الأشياء لها وجود في مراتب:

أولها: في عالَم الأسماء الإلهيّة - كما ذهب إليه قومٌ من العرفاء -.

وثانيها: في عالم علم الله التفصيلي، المسمى - " الصور الإلهيّة " و " المُثل العقليّة " وهي ذوات مجرّدة، هي ملائكة الله المدبّرة للأنواع الطبيعيّة، فإنّ لكلّ نوع طبيعيّ مَلَك ربّاني عقلي، هو تمام حقيقة ذلك النوع، ومثاله عند الله، وكلّ منها مصونٌ عن التكثّر التعدّدي، كما رآه بعض الأقدمين من أكابر الحكماء، ونحن - بفضل الله - قد أحكَمنا بنيانهم، وأوضَحنا سبيلهم في إثبات هذه المُثل النوريّة.

وثالثها: في عالَم المثُل المقداريّة المتوسّطة بين العالَمين: عالَم المفارقات وعالَم الماديّات.

ورابعها: في عالم الأجسام المادّية، وهي الصور النوعيّة المقوّمة للموادّ الطبيعيّة، وفي هذين الوجودين - سيّما الأخير -، تتكثّر الأشخاص لنوع واحد، إلاّ أنّ في الأول بحسب الجهات الفاعليّة، وفي الأخير بحسب الجهات القابليّة من الانقسامات والاستحالات وغيرها. وهو عليه السلام، لجامعيّة نشأته، أخبر كلاًّ منهم بما فيه وبما في غيره من الحقائق والمعاني للأسماء.

وضمير: { أَسْمَآئِهِمْ } راجعٌ إلى الملائكة، لِما قد أشرنا إليه، من كونهم بأجمَعهم حقائق الأشياء الطبيعيّة ومسمّيات الإلهيّة، وأنّ كلاًّ منهم صورة اسم واحد، وحقيقة نوع واحد.

وقوله: { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الهمزة للانكار، دخلت على حرف الجحد، فأفادت الإثبات والتقرير، وهو تأكيد لقوله:إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [البقرة:30]، على وجه أبسط، يكون كالبرهان عليه احتجاجاً به عليهم، فإنّه تعالى، لمّا علِم ما خفيَ عليهم من الأمور العالية والسافلة، وما علن فيهم من أحوالهم الظاهرة، وما بطن فيهم من أسرارهم الخفية [علِم ما لا يعلمون]، وفيه تعريضٌ بمعاتبتهم على ترك الأَوْلىٰ، وهو توقّفهم في أمر آدم عليه السلام مترصّدين لأن يبيَّن لهم من أحواله.

وقيل: " مَا تَبْدُونَ " ، إشارة إلى قولهم: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } ، و " مَا تَكْتُمُونَ " إشارة إلى استبطانهم في أنفسهم أنّهم أحقّاء بالخلافة الإلهيّة، وأنّه تعالى لا يخلق خلقاً أفضل منهم.

وقيل: " ما تَبْدُونَ " هو قولهم لإبليس لمّا قال لهم: ماذا ترون إن أمِرْتُم بطاعة آدم فعلتم؟: " نمتثلُ أمْر ربِّنا ". و " ما كُنْتُمْ تَكْتمُونَ " ما أسرّه الخبيث من قوله: " لئِن سُلّطتُ عليه لأهلكته، ولئِن سُلّط عليّ لأعصينَّه ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7