الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ }

وقرئ: " وَعُلِّمَ آدَمُ " - على البناء للمفعول.

اعلم أنّ الملائكة لمّا سألوا الله عن وجه الحكمة في جعل الإنسان خليفة في الأرض دونهم، وأجاب بوجه اجمالي؛ أراد أن يزيدهم بياناً وكشفاً، أخبر عن وجه الحكمة في ذلك تفصيلاً لِمّياً؛ فبيّن لهم جهة فضيلة الإنسان عليهم، وذلك بأن علمهم معرفة الأسماء - إما بخلق علم ضروريّ أو إلقاء في رُوعه، ولا يفتقر إلى سابقه اصطلاح - وإلا لتسلسَل.

هذا إذا كان المراد من الإسم ما غلب عليه العرف العام الطارئ من اللفظ الموضوع لمعنى - سواء كان مركّباً أو مفرداً، وسواء كان المركّب خبراً أو انشاء؛ والمفرد مخبراً عنه أو به أو رابطة بينهما، أو الاصطلاح النحوي من المفرد الدالّ على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة -، وأما إذا كان المراد منه باعتبار اشتقاقه من " السِمة " - ما يكون علامة للشيء ودليلاً يرفعه إلى الذهن، سواء كانت ألفاظاً، أو صفات أو أفعالاً، كما هو عند العرفاء -، فليس منحصراً فيما للوضع فيه مدخل، بل يشمله وغيره.

والظاهر أنّ المراد من تعليم الأسماء، ليس مجرّد تعليم الألفاظ الموضوعة بحسب دلالتها على المعاني كما في التعريفات اللفظية، بل إفادة العلم بحقائق الأشياء وماهيّاتها، وإن كان الأول أيضاً مستلزماً للعلم بمدلولاتها بوجه من الوجوه؛ وذلك لأنّ معرفتها من جهة اللغات ليست كمالاً يعتدّ به، إنّما الكمال الأتمّ في الحكمة والمعرفة.

فالمعنى: أنّه تعالى خلَق آدم عليه السلام من أجزاء مختلفة، وقوى متبائنة، مستعداً لإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات والمتخيّلات، لاشتماله على جميع النشئات الدنيويّة والمثاليّة والأُخرويّة، وألهمه معرفة ذوات الأشياء وحقائقها الكليّة والجزئيّة، وخواصّها وأسماءها، وأصول العلوم وقوانين الصناعات، وكيفيّة اتّخاذ الآلات، حتى صار في نفسه عالَماً تامّاً منفرداً منفصلاً عن العوالم كلّها، ذا هيئة جمعيّة ونظام وحداني مضاهياً للعوالم الثلاثة.

وآدم عليه السلام - على وزن أفْعَل - اسمٌ أعجميٌ كـ " آذَر " و " شالَخ " ، واشتقاقه من " الأدمة " بمعنى السُمْرة. أو من الأدَمة - بالفتح - بمعنى الأُسوة. أو من أديم الأرض، لما روي عنه (صلى الله عليه وآله): " إنّه تعالى قبضَ قبضةً من جميع الأرض - سهلها وحزنها - فخلق منها [آدم]، فلذلك يأتي بنوه أخيافاً " ولو كان وزنه فاعلاً لانصرف.

وليس مشتقّاً من الأدم والأدمة بمعنى الالفة، كاشتقاق إدريس من الدرس، ويعقوب من العقب، وإبليس من الإبلاس.

إشارةٌ عرفانيّةٌ

[معنى الإسم والمقصود من تعليم الأسماء]

قد مرّ في المفاتيح الغيبيّة إنّ ذاته تعالى باعتبار صفة من الصفات أو تجلّ من التجلّيات سمّي بـ " الاسم " عند العرفاء، وهذه الأسماء الملفوظة هي أسماء الأسماء، وهي معان معقولة في غيب الوجود الحقّ، تتعيّن بها شؤونه وتجلّياته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد