الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

قوله جل اسمه:

ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ

في الكشّاف: الذين يؤمنون: إمّا موصولٌ بالمتّقين على أنّه صفة مجرورة، أو مدحٌ، منصوبٌ أو مرفوعٌ، بتقدير: أعني الذين يؤمنون، أو: هم الذين يؤمنون.

وإمّا منقطعٌ عن المتّقين، مرفوعٌ على الابتداء مخبَرٌ عنه بأولئك على هدى. فإذا كان موصولاً، كان الوقفُ على المتقين حسناً غير تامّ، وإذا كان منقطعاً كان وقفاً تامّا. انتهى.

واعلم أنّه على تقدير كون " الذين " مع ما يليه متّصلاً بالمتقين وصِفةً له، فإن كان المراد بالتقوى ترك ما لا ينبغي، فهو يكون صفةً مقيدةً له، مترتبة عليه ترتّب الفعل على القوّة، وتوقّف التحلية على التخلية، والتصوير على التطهير.

فإنّ النفس الإنسانيّة كاللوح القابل لنقوش العلوم الحقة؛ وهي الإيمان بالله واليومِ الآخر والأخلاقُ الفاضلة التي هي مبادئ الأفعال الحسنة، كالصلاة والزكاة.

فيجب تطهره أولاً بالتقوى عن النقوش الفاسدة حتّى يمكن إثبات النقوش الجيّدة فيه، ويستقرّ حصول الأوصاف الحسنة عليه، فلهذا السبب قدّم ذكر التقوى وهي ترك ما لا ينبغي، ثمّ ذكر بعده فعل ما ينبغي وهو الإيمان والطاعة.

وإن فسِّر التقوى بما يعمّ فعل الطاعات وترك المعاصي، فيكون صفة موضحة للمتّقين، وذلك لاشتماله على ما هو أصل الأعمال الصالحة، كالإيمان بالله وملكوته، فإنّه من امّهات الأعمال القلبيّة؛ وعلى أساس الحسنات كالصلاة والزكاة، فإنهما من أمّهات العبادات البدنية والمالية، المستتبعة لسائر الطاعات، والتجنّب عن المعاصي غالباً، ألا ترَى الى قوله تعالى:إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [العنكبوت:45].

وقوله عليه وآله السلام: الصلاةُ عمادُ الدين، والزكاةُ قنطَرةُ الإسلام.

تنبيه

[التقوى والمتقين]

غايةُ التقوى، الاتّصال بالحضرة الإلهيّة بترك الالتفات بغير الله، وقطْع النظَر سواه، وهذا هو غاية النشأة الآدميّة ونهاية الكمال الأخروي للروح الإنساني، ولا يمكن تحصيله إلاّ بتكميل القوّة العاقلة من النفس بالعلوم الحقّة، وبتعديل القوّة العاملة منها بالأعمال الحسَنة، ليتحلّى بالفضائل ويتخلّى عن الرذائل.

فالمتكفّل لتكميل الأولى، هو الإيمانِ بالغيبِ، وهو العِلْم بأحوال المبدإ وملائكته وكتبه ورُسله، وأحوال المعاد ومراتبه، وطبقات نفوس الإنسان بحسب درجات الجنان ودركات النيران.

والمتكفّل لتكميل الثانية، هو العملُ الصالح، وأصل الأعمال الصالحة الصلاةُ والزكاةُ، أمّا الأولى، فلاشتمالها على الأذكار والنيّات الحسنة، وهيئات الخضوع والخشوع.

وأمّا الثانية، فلاستلزامها تركَ التعلّق باللذّات النفسانيّة، والمحبوبات الدنيويّة، لأنّ المال وسيلةٌ لأكثرها. وقد قال سبحانه:لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران:92].

فإذا تقرَّر هذا، فقوله: " الذين " مع ما يتلوه، بمنزلة تفسيرٍ كاشفٍ للمتّقين وَحَدٍّ مبيّن له.

[الأقوال في ماهية الإيمان]

ثمّ الإيمانِ بحسب اللغةِ - كما ذكَره صاحب الكشّاف - مأخوذٌ من الأمن؛ ثمّ يقال: آمَنه إذا صدَّقَه، كأن المصدِّق أمِنَ من التكذيب والمخالفة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد