الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

لما ذكَر الله سبحانه دلائل التوحيد والنبوّة والمعاد، أراد أن يشير إلى أن الفاعل والغاية معاً في وجود الإنسان هو ذاته تعالى، فقوله: { كُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } إشارة إلى بداية أحوال الإنسان، { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } إشارة إلى نهاية حاله وعاقبة أمره.

و " كَيْفَ " في الأصل، سؤال عن الكيفيّة والحال، كما يتّضح ذلك في الجواب، فإنّك إذا سألت أحداً: " كيف رأيت زيداً؟ " فيقول: مسروراً، أو مهموماً، وما أشبههما من الأحوال، فـ " كَيفَ " سؤال عن الحال، فيجاب عنه بكل ما يليق من الأحوال، كما أن " كَمْ " سؤال عن المقدار والعدد، و " مَا " سؤال عن تمام الماهيّة، و " أيٍّ " عن المميّز الذاتي أو العرضي، و " مَنْ " عن حقيقة الشخصيّة إن كان من العقلاء، و " أيْنَ " و " مَتىٰ " عن نسبة زمانه ومكانه - وهذه الاستفهاميّات -.

" كَيْفَ " قد يجيء للتوبيخ والإنكار، فكيف هٰهنا مثل " الهَمزة " في قوله: " أَتكْفُرُونَ بِاللهِ " ، والفرق بينهما بأن الهمزة إنكار لأصل الفعل، وكيف؛ إنكار للحال التي يقع عليها الفعل، لكن حال الشيء تابعة لأصله وذاته، فإذا امتنعت امتنع، واذا جاز جازت، فيكون إنكار حال الكفر التابع لأصله الرديف لذاته على سبيل الكناية أبلغ وأقوى، لأنّه بيان للشيء ببرهانه. فإنّك إذا نفيت كلّ صفة يوجد عليها " زيد " ، فقد نفيت وجود زيدٍ بوجه برهانيّ، فيكون آكد وأقوى من انكار وجوده لا بيِّنة، وذلك لأن وجود الشيء بلا صفة من الصفات، وحال من الحالات، ممتنع.

فثَبت ممّا ذكر أن: " كيفَ تكفُرون " أبلغ في إنكار الكفر من: " أتكفُرون " ، وأوفق بما بعده، وتقديره " أمتعلّقين بحجّة وملابسين ببرهان تكفرون بالله؟ " فيكون { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } وما بعده منصوب الموضع على الحال، والعامل فيه " تكفُرون " أي: تكفرون عالِمين بهذا البرهان، فيكون من قبيل وضع الحدّ موضع المحدود، ووضع الشيء مكان عنوانه واسمه.

وبهذا يندفع ما أورد عليه، من أن الحال يجب أن يكون وجوده مع وجود ما يقيّد به، وهٰهنا ليس كذلك، فإنّ الكفر حاضرٌ لهم، وكونهم أمواتاً ماضٍ ولا يجدي نفعاً.

الجواب عنه: بأنّ الواو الحاليّة لم تدخل على " كُنتُم أمواتاً " فقط، بل على جملة الكلام إلى قوله: " تُرجَعُون " ، أي: كيف تكفرون وقصّتكم وحالكم هذه أنكم [كنتم] كذا وستصيرون كذا. لأن بعض القصّة والحال ماضٍ، وبعضها مستقبل، وكلاهما لا يصحّ وقوعهما حالاً، إذ المركّب من الفائت المنقضي والغائب المنتظر، لا يكون موجوداً حاضراً، نعَم، العلْم بهذه القصّة موجود حاضر، فكأنّه قيل: كيفَ تكفرون وأنتم عالِمون بتمام هذه القصّة من بدوّها إلى غايتها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد