المقالة السادسة عشرة: في قوله سبحانه: { ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وفيه لوائح: اللائحة الأولى في اللغة الولي: فعيل بمعنى فاعل من " الولي " الذي هو القرب من غير فصل، وهو الذي يكون أولى بالغير وأحق بتدبيره، ومنه يقال للمحب المعاون " ولي " لأنه يقرب منك بالمحبة والنصرة ولا يفارقك، ومن ثم قالوا في خلاف الولاية " العداوة " من " عدا الشيء " إذا جاوزه، فلأجل هذا كانت الولاية خلاف العادوة. ومنه " الوالي " لأنّه يلي القوم بالتدبير وبالأمر والنهي. ومنه " المولى " لأنه يلي أمر العبد بسدّ الخلّة وما به إليه الحاجة. ومنه " المولى " لابن العم، لأنَّه يلي أمره بالنصرة لتلك القرابة. ومنه " ولي اليتيم " لأنَّه يلي أمر ما له بالحفظ والقيام عليه، والولي في الدين وغيره لأنَّه يلي أمره بالنصرة والمعونة لما توجبه الحكمة فجميع هذه المواضع معنى الأولي واللاحق ملحوظ فيها. وولّى عن الشيء: إذا أدبر عنه، لأنَّه زال عن أن يليه بوجهه. واستولى على الشيء: إذا احتوى عليه، لأنَّه وليَه بالقهر. والله سبحانه ولي المؤمنين على ثلاثة أوجه: أحدها: إنَّه يتولاَّهم بالمعونة على إقامة الحجة والبرهان لهم في هدايتهم. وثانيها: إنَّه وليّهم في نصرهم على عدوّهم وإظهار دينهم على أديان مخالفيهم كلّها. وثالثها: إنَّه وليهم، يتولاهم بالمثوبة على الطاعة والمجازة على الأعمال الصالحة. وهذه الوجوه الثلاثة مما ذكره الشيخ أبو علي الطبرسي في تفسيره الكبير وسيأتيك تحقيق الحق إن شاء الله. اللائحة الثانية في النظم لما ذكر الله تعالى المؤمن والكافر، أراد أن يبيّن ولي أمور كل منهما وداعي أشواقهم، وإرادتهم، وحركاتهم، فقال: الله ولي الذين آمنوا أي: نصيرهم ومعينهم في كل ما لهم إليه الحاجة، وما فيه الصلاح في أُمور دينهم، ودنياهم، وآخرتهم، ويشوقهم إلى منتهى قصدهم، ومرمى غرضهم ويوصلهم إلى أعلى مقاماتهم وكراماتهم. اللائحة الثالثة في لمِّيَّة اختصاص المؤمنين بولاية الله سبحانه إعلم أنَّ في هذا المقام إشكالاً عظيماً حلّه على ذوي الأفهام، لأنَّك قد علمت من الأصول التي أفدناك فيما سبق - من تقديس الله تعالى عن وصمة الكثرة، والتغير، والتفنّن، في الإضافات، والاختلاف في النسب والإضافات - أنَّ وجوده عام ورحمته شاملة للكلّ على نسق واحد، أعطى كل ذي حقّ حقّه وأفاض على كل قابل ما يستحقّه، فلو كانت لمادة البصل - مثلاً - قوة قبول الزعفران، ولنطفة البقر قبول صورة الإنسان لما ترك الواهب الأشرف الأفضل وما فاض عليهما البقر والبصل. فإذا تقرر ذلك، فولاية الله تعالى إن تعلقت بالمؤمنين قبل قبولهم دعوة الإيمان، واستكمالهم بالعلم والعرفان، فإنَّ ذلك ترجيح من غير مرجح، وإن كانت بعده يلزم الدور لكون الإيمان مسبباً عنها، كما يفصح عنه قوله تعالى: { يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } لأنَّ منشأ إيمانهم الذي هو عين تنورهم بنور المعارف وخروجهم إليه من ظلمات الجهل والعمى هو هذه التولية، فلو كانت بعد الإيمان يكون دوراً بالضرورة.