الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

قوله جل اسمه:

ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ

" ذلك " اسم مبهم يُشار به الى البعيد، فإن كان اشارة الى ما في اللوح المحفوظ أو الى القرآن باعتبار كونه في اللوح المحفوظ لقوله تعالى:وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا } [الزخرف:4] سواء كان الۤمۤ اسماً للقرآن أو السورة، أو مقسَما به، كما اخترناه، فيكون إشارة الى البعيد ما هو الرسم.

وأما إذا جعل إشارة الى الۤمۤ وأوّل بالمؤلَّف من هذه الحروف، أو فُسِّر بالسورة، أو القرآن الموجود بين أظهرنا، ففي الإشارة الى القريب الحاضر بما يُشار الى البعيد الغائب لا بدّ من وجه.

وقد ذكروا فيه وجوها:

أحدها: إنّه وقعت الإشارة الى الۤمۤ بعدما سبق التكلّم به وتقضّى والمقتضّي في حكم المتباعد.

وثانيها: إنّه لمّا وصَل من المرسِل الى المرسَل إليه وقع في حد البُعد عنه.

وثالثها: إنّ القرآن وإن كان حاضراً الى ظاهره وصورته، لكنّه غائب نظراً إلى أسراره ومعانيه، لاشتماله على علومٍ عظيمة وحِكَم كثيرة يتعسّر اطّلاع القوّة البشريّة عليها، يل يتعذّر في هذه النشأة فيجوز أن يشار إليه كما يشار الى البعيد الغائب.

ورابعها: إنّ الله تعالى وعَد رسولَه (صلّى الله عليه وآله) عند مبعثه أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء، وهو (صلّى الله عليه وآله) أخبَر أمّته بذلك، ويؤيّده قوله:إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } [المزمل:5] في سورة المزمّل وهي إنّما نزلَت في ابتداء المبعث.

وخامسها: إنّه تعالى خاطَب بني إسرائيل؛ لأن سورة البقرة مدنيّة، وأكثرها احتجاج على اليهود، وقد كانت بنو اسرائيل أخبرهم موسى وعيسى (عليهما السلام) أنّ الله يرسل محمداً (صلّى الله عليه وآله) وينزّل عليه كتاباً، فقال تعالى: { ذَٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } ، أي الذي أخبر به الأنبياء المتقدّمون أنّ الله سينزله على النبي المبعوث من ولد إسماعيل.

وسادسها: ما قاله الأصمّ: إنّ الله تعالى أنزل الكتاب بعضَه بعد بعض، فنَزل قبل سورة البقرة سوَر كثيرة، وهي كلّ ما نزل بمكّة ممّا فيه الدلالة على التوحيد وعلْم المعاد، وعلم النفس، وإثبات النبوّة، وأحوال الملائكة والجنّ، وعلْم السماء والعالَم وغير ذلك. فقوله " ذَلِكَ " إشارة الى تلك السوَر والآيات التي نزلت قبل هذه السورة، وقد يسمّى بعض القرآنِ قرآناً كما في قوله تعالى:وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } [الأعراف:204] وقال تعالى: حاكياً عن الجن:إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } [الأحقاف: 30] وهم ما سمعوا إلاّ البعض.

واعلم أنّ أصل ذلك وهذا " ذا " وهي كلمة إشارة زيدت الكاف عليها للخطاب، واللاّم للتوكيد، والهاء للتنبيه، فأصلهما واحد، فإذا قَرُب الشيء أُشير إليه فقيل: " هذا " اى تنبّهْ أيّها المخاطَب، فيشبه أن يكون دلالة ذلك على البعيد عُرفاً طارياً على أصل الوضع للقرينة التي ذكرناها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9