الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

قوله تعالى: ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ

ذكروا في تأويل نسبة الاستهزاء إليه تعالى حيث لا ينفك معناه عن التلبيس - وهو على الله محال - وعن الجهل لقوله تعالى:قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [البقرة:67]. والجهل على الله محالٌ، وجوهاً خمسة:

أحدها: إنّه من باب صنعة المشاكلة. فسمّي ما يفعله الله جزاءً لاستهزائهم، استهزاءً، كما في قوله:وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى:40]. وقوله:فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ } [البقرة:194].

وفي الحديث عنه (عليه السلام) أنه قال: تكلّفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملّوا وأنه قال (عليه السلام) ايضاً اللهم إنّ فلاناً هو يعلم أنّي لست بشاعرٍ فاهجه اللهم والعنه عددَ ما هجاني.

وثانيها: إنّ ضرر استهزائهم راجعٌ اليهم غير ضائر بالمؤمنين، فيصير كأن الله استهزأ بهم.

وثالثها: إن آثار الاستهزاء من الهوان والحقارة لحقت بهم من الله، فذكر اللازم وأُريد به الملزوم تجوّزاً.

ورابعها: إن الله ينعّمهم في الدنيا بأنواع النعم، ويظهر عليهم منه تعالى خلاف ما يفعل بهم في الآخرة، كما انهم أظهروا للنبي (صلّى الله عليه وآله) أمراً كان الحاصل معهم في السر خلافه، وفيه نظر.

وخامسها: إنه تعالى يعاملهم معاملة المستهزئ، أما في الدنيا فلأنه يطلع الرسول (صلّى الله عليه وآله) على أسرارهم، مع أنهم بالَغوا في كتمانها عنه، ويُجري عليهم أحكام المسلمين، ويستدرجهم من حيث لا يشعرون، ويُمهلهم مدة في النعمة والتمادي على الطغيان.

وأما في الآخرة، فقال ابن عباس: إذا دخل المؤمنون الجنَّة والكافرون النارَ، فتح الله تعالى من الجنة باباً الى الجحيم الذي هو مسكن المنافقين، فإذا رأى المنافقون الباب المفتوح، أخذوا يخرجون من الجحيم ويتوجّهون الى الجنة، وأهل الجنة ينظرون إليهم، فإذا وصَلوا الى باب الجنة، فهناك يغلق دونهم الباب، فذاك قوله تعالى:فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } [المطففين:34]. وهذا هو الاستهزاء.

وإنما استؤنف الكلام ولم يعطف، ليدل على أن الله تعالى هو الذي يتولّى الاستهزاء بهم انتقاماً للمؤمنين، ولا يحوج المؤمنين الى أن يعارضوهم باستهزاء مثله، وللإشعار بأن استهزاءهم بالمؤمنين لا يعبأ به في مقابلة ما يفعل الله بهم.

وإنما لم يقل: " الله مستهزئ بهم " ليطابق قولهم، لأن المضارع يفيد الحدوث وقتاً فوقتاً، والتجدد حيناً بعد حين، وهكذا كانت نكايات الله فيمن سلك النفاق وباع آخرته بالدنيا، كما قال:أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } [التوبة:126].

وأيضاً، فما كانوا يخلون في أكثر أوقاتهم من تهتّك أستارهم، وتكشّف أسرارهم، واستشعار خوف وحذر من أن يرد عليهم عذاب، أو تنزل فيهم آية تفضحهم كما قال:يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9