الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

إعلم أنّه كما انّ للأبدان صحّة ومرضاً ودواءً وغذاءً، فكذلك للقلوب صحّة ومرض ودواء وغذاء. وذلك لأنّ الصحّة عبارةٌ عن صفةٍ توجِب صدورَ الأفعال عن موضوعها مستقيمة سليمة، والمرض له صفةٌ توجِب وقوعَ الأفعال عنه مختلّة؛ ولما كنت حياة القلب إنّما هي بنور الإيمان بالله واليوم الآخر، كما انّ حياة البدن بقوّة الحسِّ والحركة، وكان الفعل الخاص به: إنما هو ذكر الله وطاعته وعبوديّته، كما إن الفعل الخاصّ بالبدن: الحسّ والحركة - كالأكل والشرب والجُماع والمشي وغيرها - فإذا وقع في القلب من الصفات ما صار مانعاً له من هذه الآثار، كانت تلك الصفات أمراضاً، وتلك الصفات بعضها سموم قتّالة: كالجهل المركّب، والنفاق، والجحود، والشكّ، والعناد، والحسد، واللداد وغير ذلك من الصفات المهلكات، فإنّها اذا استحكمت ورسخت في القلب، فهي غير قابلة للعلاج.

وبعضها ليست كذلك، كالصغائر من السيّئات، والتفاريق من الخطئيات.

واعلم أنّ الدنيا دار المرض، وليس على ظَهْر الأرض إلا المرضىٰ، كما ليس في بطنها إلاّ الأموات، وإنّما توجد الصحّة والسلامة المطلقة في العالَم الأعلى من طبقات الجنان، قال تعالى:إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء:89].

ومرضى القلوب ها هنا أكثر من مرضى الأبدان، والعلماء أطبّاء القلوب، وحكّام الشريعة قوّام دار المرضىٰ. وكل مريضٍ لم يقبل العلاج بمداواة العالِم، سُلّم الى الحاكم ليكفّ شرّه عن باقي الناس، كما يسلّم الطبيبُ المريضَ الذي لا يحتمي، أو الذي غلب علي الجنون الى القيّم ليقيّده بالسلاسل والأغلال، ويكفّ شره عن سائر الناس.

وإنّما صار مرض القلوب أكثر من مرض الأبدان لثلاث علل:

أحدها: أنّ صاحب القلب المريض لا يدري أنّه مريضٌ.

وثانيها: أن عاقبتَه غيرُ مشاهَدةٍ في هذا العالَم، بخلاف مرض البدن فإنّ عاقبتَه - وهي موت البدن -، مشاهدة تنفر الطباع منه، وما بعد الموت غير مشاهَد لقلّة النفرة عن موت القلب الذي هو عاقبة مرضه، وإن علمها مرتكبُ الأمراض القلبيّة والكبائر الموبقة، فلذلك نراه يتّكل على فضل الله، ويجتهد في علاج البدَن.

وثالثها: وهو الداء العضال، وهو إمّا فقْد العلماء الذين هم الأطبّاء، كما في هذه الأعصار، أو فقد الإيمان بما يقول الطبيبُ، كما في عصر النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وأعصار ورثته (عليهم السلام).

فنقول: يحتاج المريض الى التصديق بأمور:

الأول: أنّ للمرض والصحّة أسباباً يتوصّل اليها بالاختيار على ما رتّبه مسبّب الأسباب. وهذا هو الايمان بأصل الطبّ، فإنّ من لا يؤمن به لا يشتغل بالعلاج، فيزداد مرضُه الى أن يلحق به الهلاك، وهذا وِزانه في مرض القلوب هو الإيمان بأصل الشريعة، وهو أن للحياة الأخرويّة والسعادة الدائمة سبَباً هو الطاعة، وللموت الأخروي والشقاوة الأبديّة سبباً هو المعصية، وهذا - وهو الإيمان بأصل الشرايع - لا بدّ من حصوله إمّا عن تحقيق أو تقليد، وكلاهما من جملة الإيمان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد