الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ }

فصل

في نبذ من أسرار الحروف

لمّا ذكر الله عن نفسه أنّه الظاهر وأنّه الباطن وأنّه المتكلم، وأنّ له كلاماً وكلماتٍ وكتباً، وذكر نبيُّه (صلّى الله عليه وآله): " أنّ له نفَساً من الإسم الرحمن، الذي به استوى على العرش، وهو بمنزلة قلب الإنسان كما قال: قلبُ المؤمنِ عرشُ الله " صحّ لنا الإيمان بهذه الأمور.

فلمّا علمنا أنّ له نفساً لا كأنفاسنا، بل على وجه يليق بذاته وصفاته أنّه الباطن والظاهر كبطوننا وظهورنا، وأنّ له كلاماً على وجه يناسب عظمته وجلاله، علِمنا أنّ كلماته هي الموجودات الصادرة عنه، الناشية عن ذاته بذاته، من غير توسّط مادة أو محل أو استعداد على مثال الحروف والكلمات الناشية من الإنسان التي يتشكّل بها الهواءُ الخارج من باطنه؛ ولا كمثل أفعال الإنسان التي تتوسّط فيها الآلات الجسمانيّة الخارجة عنه.

ولما علمت أنّ قلب الإنسان - لمكان الروح الحيواني الذي هو سبب حياة البدن، - بمنزلة عرش الرحمن ومحل الرحمة، وان صدره الواسع - لمكان الروح الطبيعي الساري في جميع البدن أعلاه وأسفله - بمنزلة كرسيّه الذي وسع السموات والأرض؛ فاعلم أنّ الله جعل للهواء الخارج من الصدر بعد نزوله إليه من القلب ثمانية وعشرين مَقطعاً للنفَس، يظهر في كل مقطَع حرفاً معيّناً ما هو عين الآخر، ميّزه القطع مع كونه ليس غير النفَس.

فالعين واحدة من حيث إنّها نَفسٌ، وكثيرة من حيث المقاطِع، وهي أمورٌ عدميّة كما انّ امتياز الوجودات الخاصّة ليست بأمر زائد على حقيقة الوجود الانبساطي الفائض من الحق تعالى. بل امتيازها عنها، وامتياز بعضها عن بعض، ليس إلا من جهة مراتب النقصانات والتنزّلات اللازمة للمعلوليّة، فليس التفاوت بينها إلاّ من جهة الكمال والنقص، والتقدّم والتأخّر، والقرب والبعد من العلّة الأولى.

فكذلك حال الحروف الصوتيّة الإنسانيّة، المنقسمة إلى ثمانية وعشرين حرفاً. لأن الكرسيّ، وهو فلَك المنازل - ومِثاله الصدْرُ فينا - منقسمٌ باعتبار المنازل والأمكنة للسيّارات الفلكيّة - من الكواكب وأرواحها ونفوسها المتحرّكة بأمر الله، المتردّدة على حسب ما حملها الله من أحكام الوحي والرسالة الى خلْقه - الى ثمانية وعشرين منزلاً.

ولك أن تستشكل هذا بما قد ورَد في الخبر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ المُنزَل عليه تسعة وعشرون حرفاً، وما أنزل الله على آدم إلاّ تسعة وعشرين حرفاً، وإنّ " لام ألف " حرفٌ واحدٌ قد أنزله الله عزّ وجل على آدم في صحيفة واحدة، ومعه ألْف مَلَك، ومن كذب ولم يؤمن به فقد كفَر بما أنزل الله على محمد (صلّى الله عليه وآله)، ومن لم يؤمن بالحروف - وهي تسعة وعشرون فلا يخرج من النار أبداً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد