الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

قوله جل اسمه:

{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }

صفة للأول أو بدلٌ عنه بدل الكلّ

والفرق بين الصفة والبدل، أنّ البدل في حكم تكرير العامل من حيث انّه المقصود بالنسبة، كتكرير الجار في قوله تعالى:قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } [الأعراف:75]. بخلاف الصفة، فكأنّه قال: اهدنَا صراطَ الذين أنعمت عليهم. وفائدته التوكيد المنفهم من التثنية، والتنصيص على أنّ طريق المؤمنين هو المشهود عليه بالاستقامة المُفضي لسالكه إلى المطلوب على أبلغ وجه وآكده، فإنّك إذا قلت مثلاً: " هل ادلّك على أعلم الناس وأفضلهم؛ فلان " فكأنّك قد ثنّيت ذكرَه أولاً إجمالاً، وثانياً تفصيلاً، وجعلت اسمه كالتفسير والبيان لنعته المذكور، أولاً إشعاراً بأنّه من البيّن الذي لا خفاء فيه، فجعلته علَماً في العِلم والفضيلة فيكون ذلك أبلغ من قولك: هل أدلّك على فلانٍ الأعلم الأفضل.

فها هنا قد وقع الإشعار بأن الطريق المنعوت بالاستقامة هو طريق المؤمنين المنعَم عليهم على أبلغ الوجوه وآكده.

و " الذين " موصول و " أنعمت عليهم " صلته. وقد تمّ بها إسماً مفرداً يكون في موضع الجرّ باضافة صراطٍ اليه، ولا يقال في موضع الرفع " اللذون " لأنّه اسم غير متمكّن.

وقد حكى ذلك شاذاً، كما حكي " الشياطون " في حال الرفع، وقرأ عمر بن الخطاب وعمرو بن عبد الله الزبيري: صراط من أنعمت عليهم، وهو المروي عن أهل بيت النبيّ عليه وعليهم السلام.

وقيل: المراد بالمنعَم عليهم هم الأنبياء. وقيل: النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام). وعن ابن عباس: هم أصحاب موسى (عليه السلام). وقيل: أصحاب موسى وعيسى (عليهما السلام) قبل التحريف والنسخ.

وقرأ ابن مسعود: صراطَ من أنعمت عليهم.

وأصل النَعمة، هي الحالة التي يستلذّها الإنسان، فاطلقت لما يستلذّه من النَعمة وهي اللّين.

وفي مجمع البيان: أصلها المبالغة والزيادة يقال دققت الدواء فأنعمت دقّة.

وأما ما يراد في العرف من النعمة، ويسمى به، فكلّ خير ولذّة وسعادة، بل كلّ مطلوب ومؤثَر يسمّى نَعمةً عند الناس، وهذه تختلف بالإضافة، فَرُبّ نعيم لأحد يكون أليماً لآخر.

وأما النعمة الحقيقية، فهي السعادة الأخرويّة، وأصلها المعرفة بالله وملكوته، ولها صورةٌ وروحٌ وسرٌّ، فصورتها الإسلام والإذعان، وروحها الايمان والإحسان، وسرّها التوحيد والايقان.

فحكم الاسلام متعلّقٌ بظاهر الدنيا، والايمان بباطنها وباطن النشأة الظاهرة، والإحسان للحكم البرزخي ونشأته، وإليه الاشارة بقوله (صلّى الله عليه وآله): " الإحسانُ أن تعبدَ الله كأنكَ تَراه " ، هذا هو المشهود في الاستحضار البرزخي، وسرّ التوحيد وعين اليقين مختصّ بالآخرة، فافهم ما أدرجتُ لك من أسرار الشريعة في طيّ هذه الكلمات الوجيزة، تعلم أنّ كلّ شيء فيه كلّ شيء والله المرشد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد