الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }

قوله جل اسمه:

{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }

الهداية لغة: الإرشاد بلطف، ولهذا يستعمل في الخير لا في الشر وقوله تعالىفَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات:23]. يحتمل أن يكون على سبيل التهكّم ومنه الهديّة، وهوادي الوحش لمقدّماتها، والفعل منه: هَدى.

وقيل: معناه الدلالة على ما يوصِل إلى المطلوب. ونُقض بقولهإِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص:56].

وقيل: بل الدلالة الموصِلة إلى المطلوب، وهو أيضاً منقوض بقوله:وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [فصلت:17].

والحمل على المجاز في كل منهما والحقيقة في الأخرى متصوَّر.

وقيل: إنّه تارة تتعدّى بنفسها، وتارة باللام أو بإلى، كما في قوله تعالى:إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء:9]. وقوله:وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى:52] ومعناه على الاول الايصال، وعلى الأخيرين إراءة الطريق.

وفي الكشاف: إنّ أصله ان يعدّى باللام أو إلى، فعومِل معاملةَ " اختارَ " في قوله تعالى:وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [الأعراف:155].

والصراطُ: الطريقُ الواضح المتّسع. وأصله السين. لأنه من سرط الطعام إذا ابتلَعه. فكأنه يسرط السابلة، ولهذا سمّي لقماً، لأنّه يلتقمهم، فمَن قرأ بالسين - كابن كثير برواية قنبل ورويس عن يعقوب - راعى الأصل، ومن قرأ بالصاد، فلما بَيْن الصاد والطاء من المواخاة في الاطباق والاستعلاء، كقولهم: مُصيطر، في مُسيطر.

وقرأ حمزة باشمام الصاد الزاي، ليكون أقرب الى المبدل عنه، إذ قد يشمّ الصاد صوت الزاي، وفُصحاهنّ اخلاص الصاد وهي لغة قريش، ويجمع على " فُعُل " ككِتاب على كُتُب، ويستوي فيه المذكّر والمؤنث، كالطريق والسبيل.

واعلم أنّ الأمر والدعاء يتشاركان صيغةً ومعنىً، لأن كلاً منهما طلب، وإنّما يتفاوتان بالاستعلاء والتسفّل، أو بالرتبة. وأمّا معنى هذا الدعاء ففيه وجوه:

منها: أنّ معناه: ثبّتنا على الدين الحقّ، لأن الله قد هَدى الخلقَ كلّهم الى الصراط أي طريق الحق من ملّة الاسلام، إلاّ انّ الإنسان قد تزلُّ قدمُه عن جادته، وترد عليه الخواطرُ الرديّة فيحسن منه أن يسألَ الله التثبُّت على دينهِ، والزيادة على هذا، كما قال الله تعالى:وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } [محمد:17]. وهذا كقولك لمن يأكل الطعام عندك: كُلْ، أي: دُمْ على أكله.

ومنها: أن المراد دلّنا على الدين الحقّ في مستقبل العمر، كما دللتنا عليه في الماضي. ويجوز الدعاء بالشيء الذي يكون حاصلاً كقوله تعالى:قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } [الأنبياء:112]، وليس فيه تحصيل للحاصل.

ومنها: أنّ نفس الدعاء عبادةٌ شريفةٌ من جملة العبادات. وفيه اظهار للانقطاع إليه تعالى، ويجوز أن يكون لنا فيه مصلحة من الخضوع والخشوع والتذلّل، وسائر ما يوجب تليين القلوب والتبتّل إليه، فتحسن المسألة.

وقيل في معنى الصراط المستقيم وجوه:

أحدها: أنّه كتابُ الله وهو المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله)، وعن علي (عليه السلام)، وابن مسعود.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد