الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }

قوله جل اسمه:

{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }

قرأ عاصِم والكسائي وخلف ويعقوب بالألف، والباقون بغيره. وقُرئ بتسكين اللام. وقُرئ بلفظ الفعل ونصب اليوم. وقُرئ مَالِكَ - بالفتح - ومَلِكَ - كذلك - على المدح أو الحالية، ومالك - بالرفع منوّناً ومضافاً - على أنه خبر مبتدأ محذوف. ومَلكُ كذلك.

قيل: المختار بغير الألف لأنه أمدح، ولأنه قراءة اهل الحرمين، وقوله:لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر:16]. ولقوله:مَلِكِ ٱلنَّاسِ } [الناس:2]. ولأن المُلك يعمّ والمِلك يخصّ. ولأنه لا يكون إلا مع القدرة الكثيرة والاحتواء على الجمع الكثير بالسياسة والتدبير.

ولمن قرأ بالألف أن يقول: إنّ هذه الصفة أمدح، لأنه لا يكون مالكاً للشيء إلا وهو يملكه، وقد يكون ملِكاً للشيء ولا يملكه. وقد يدخل في المُلك ما لا يصحّ دخوله في المِلك يقال: فلانٌ مالكُ البهائم. ولا يقال: ملِكُ البهائم.

ومن هذا ظهر انّ الوصف بالمُلك أعمّ من الوصف بالمِلك، ولأنه تعالى مالك كلّ شيء وصفَ نفسَه بأنّه:مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } [آل عمران:26].

والحق، أنّ لكل من الوصفين شيئاً من الفضيلة بحسب المفهوم على الآخر، والله متّصف بكمال كل من المُلك والمِلك.

ويومُ الدين، بمعنى يوم الجزاء، ومنه " كما تَدين تُدان، واضافة ملك إلى الزمان كما يقال: ملوك الزمان وملوك الدهر، وملك زمانه وسيّد عصره، فهو في المدح أبلغ، ومعناه: ملك الأمور يوم الدين، إجراء للظرف مجرى المفعول به على الاتّساع، كقولهم: يا سارق الليلة أهل الدار. ومن هذا القبيلوَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف:44].

اعلم إنّ إضافة اسم الفاعل، إذا أريد به معنى الحالِ أو الاستقبالِ، لا تكون حقيقة معطية للتعريف، فلم يجز وقوعُه صفةً للمعرفة، فكان في تقدير الانفصال. وأما إذا اريد به معنى المضيّ أو الاستمرار كانت حقيقية، فالأوليان كقولك: مالكُ الساعة. ومالكُ غد. والأخيرتان كقولك: زيد مالك عبده أمس. وهو مالك العبيد. وهذا هو المراد في { مَالِكِ يَومِ الدّينِ }.

مكاشفة

ايجاد الأشياء إمّا على سبيل التكوين، كخلْق الأبدان وما في حكمها بحسب النشأة الأولى، وإما على سبيل الابداع، كانشاء الأرواح وما في حكمها بحسب النشأة الثانية. والله تعالى خالقُ الخلْق والأمر جميعاً، مالك الملك والملكوت، ملك الدنيا والآخرة، فلما أشار إليهما بذكر صفتي الرحمانية والرحيمية بعد الدلالة على اختصاص الحمد به، وانّه به حقيق لاستجماعه جميع الصفات الكمالية، بيّن كيفيّة الخلْق في الدنيا بقوله: { رَبِّ العَالَمين } ، لما مرّت الإشارةُ إليه، من أنّ هذا العالَم الدنيوي وجوده إنّما يكون على سبيل التدرّج والحدوث شيئاً فشيئاً. وبيّن كيفية إنشاء النشأة الأخرى بقوله: { مَالِكِ يَومِ الدّينِ } ، إذ المِلكُ الحقّ من له ذات كلّ شيءٍ ولا يغيب عنه شيء أصلاً. فيكون وجود الأشياءَ عنه وله دفعةً من غير تراخ، وهذا معنى الابداع، والأول معنى التكوين.

السابقالتالي
2