الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } * { فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } * { وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } * { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } * { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }

قرأ نافع وابن عامر - في رواية ابن ذكوان { خير البرئية } و { شر البرئية } مهموزتان الباقون بغير همز. من همز جعله من { برأ الله الخلق يبرؤهم } ومنه البارئ ومن لم يهمز يجوز أن يكون خفف. ويجوز أن يكون من البري الذى هو التراب، كما يقال: بغاك من سار إلى القوم البرئ، وروى أبو نشيط من طريق القرطي { لمن خشي ربه } بضم الهاء من غير اشباع. الباقون بضم الهاء، ووصلها بواو في اللفظ.

يقول الله تعالى { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } قال الحسن وقتادة معناه لم يكونوا منتهين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة. وقال قوم: معناه لم يكونوا منفكين من كفرهم أي زائلين. وقيل: معناه لم يكونوا ليتركوا منفكين من حجج الله حتى تأتيهم البينة التى تقوم بها الحجة عليهم وقال الفراء: منعاه لم يكونوا منفكين من حجج الله بصفتهم للنبي صلى الله عليه وآله أنه فى كتابهم وقيل معناه لم يكونوا زائلين من الدنيا، والانفكاك على وجهين: على لا يزال ولا بد لها من خبر وحرف الجحد. ويكون على الانفصال فلا يحتاج إلى خبر ولا حرف جحد، كقولك انفك الشيء من الشيء قال ذو الرمة:
قلايص ما تنفك إلا مناخة   على الخسف أو يرمى بها بلداً قفرا
فجعله الفراء من (انفك الشيء من الشيء) وجعله غيره من { ما يزال } إلا أنه ضرورة. والانفكاك إنفصال عن شدة اجتماع. واكثر ما يستعمل ذلك فى النفي كما أن (ما زال) كذلك تقول: ما انفك من هذا الأمر أي ما انفصل منه لشدة ملابسته له. والمعني أن هؤلاء الكفار من أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى ومن المشركين يعني عباد الاصنام لا يفارقون الكفر إلى أن تأتيهم البينة يعني الحجج الظاهرة التي يتميز بها الحق من الباطل، وهي من البينونة. وفصل الشيء من غيره فالنبي صلى الله عليه وآله حجة وبينة، وإقامة الشهادة العادلة بينة، وكل برهان ودلالة فهو بينة،

وقوله { رسول من الله } هو بيان تلك البينة، بينها بأنه رسول من قبل الله يتلو عليهم صحفاً مطهرة، يعني فى السماء لا يمسها إلا الملائكة المطهرون من الانجاس

وقوله { فيها كتب قيمة } معناه في تلك الصحف كتب جمع كتاب { قيمة } فالقيمة المستمرة في جهة الصواب، فهو على وزن (فيعلة) من قام الأمر يقوم به إذا أجراه في جهة الاستقامة. وقال قتادة: صحفاً مطهرة يعني من الباطل وهو القرآن يذكره بأحسن الذكر ويثني عليه بأحسن الثناء.

وقوله { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جائتهم البينة } اخبار من الله تعالى أن هؤلاء الكفار لم يختلفوا في نبوة النبي صلى الله عليه وآله لانهم مجمعين على نبوته بما وجدوه في كتبهم من صفاته، فلما أتاهم بالبينة الظاهرة والمعجزة القاهرة، تفرقوا واختلفوا، فآمن بعضهم وكفر بعضهم.

السابقالتالي
2 3