الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } * { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } * { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } * { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } * { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } * { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ } * { أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } * { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } * { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ } * { عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ }

روي عن عائشة ومجاهد وعطاء وابن سيار: ان أول آية نزلت قوله { اقرأ باسم ربك الذي خلق } وهو قول أكثر المفسرين. وقال قوم: أول ما نزل قوله { يا أيها المدثر } وقد ذكرناه فيما مضى.

هذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ان يقرأ باسم ربه الذي خلق الخلق، وأن يدعوه بأسمائه الحسنى. وفى تعظيم الاسم تعظيم المسمى، لأن الاسم وصف ليذكر به المسمى بما لا سبيل إلى تعظيمه إلا بمعناه، فلهذا لا يعظم اسم الله حق تعظيمه إلا من هو عارف به ومعتقد لعبادة ربه، فهو معتقد بتعظيم المسمى لا وجه له يعتد به إلا تعظيم المسمى، ولهذا قال الله تعالىقل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } وقالفسبح باسم ربك } وقال الله تعالىتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام } والباء زائدة، وتقديره اقرأ إسم ربك.

وقوله { الذي خلق } فى موضع جر، نعت لـ { ربك } الذي خلق الخلائق وأخرجهم من العدم إلى الوجود. وقوله { خلق الإنسان من علق } تخصيص لبعض ما ذكره بقوله { الذي خلق } لانه يشتمل على الانسان وغيره، وإنما أفرد الانسان بالذكر تشريفاً له وتنبيهاً على ما خصه الله به من سائر الحيوان، وبين أنه مع ذلك خلقه الله من علق، وهو القطعة الجامدة من الدم، وإنما قال { علق } وهو جمع علقة لأن المراد بالانسان الجمع، لأنه إسم جنس، وسمي به قطع العدم التي تعلق لرطوبتها بما تمر به، فاذا جفت لا تسمى علقاً، وواحدها { علقة } مثل شجرة وشجر. وعلق فى معنى الجمع، لان الانسان جمع على طريق الجنس، والنطفة تستحيل فى الرحم علقة ثم مضغة ويسمى ضرب من الدود الأسود العلق، لأنه يعلق على الشفتين لداء يصيبها فيمتص الدم. وفي خلق الانسان من علق دليل على ما يصح أن ينقلب اليه الجوهر.

وقوله { اقرأ وربك الأكرم } معناه اقرأ القرآن وربك الاكرم ومعنى الأكرم: الأعظم كرماً وفى صفة الله تعالى معناه الأعظم كرماً بما لا يبلغه كرم، الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه، لأنه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره، فكل نعمة من جهته تعالى، إما بأن اخترعها أو سببها وسهل الطريق اليها.

وقوله { الذي علم بالقلم } { الذي } فى موضع رفع، لانه نعت لقوله { وربك } والمعنى إنه تعالى امتن على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم، لما فى ذلك من كثرة الانتفاع لخلقه، فقد نوّه الله بذكر القلم إذ ذكره فى كتابه، وقد وصف بعض الشعراء القلم فقال:
لعاب الافاعي القاتلات لعابه   وأري الجنا اشتارته أيد عواسل
وقوله { علم الإنسان ما لم يعلم } امتنان من الله تعالى على خلقه بأن علمهم ما لم يكونوا عالمين به إما بخلق العلوم فى قلوبهم من الضروريات أو بنصب الأدلة لهم على الوصول اليها فيما لم يعلموه ضرورة، وذلك من أعظم نعم الله تعالى على خلقه، وفي ذلك دلالة على انه تعالى عالم لان العلم لا يقع إلا من عالم.

السابقالتالي
2