الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } * { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } * { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }

روى اصحابنا ان ألم نشرح من الضحى سورة واحدة لتعلق بعضها ببعض ولم يفصلوا بينهما بـ { بسم الله الرحمن الرحيم } وأوجبوا قراءتهما فى الفرائض فى ركعة وألا يفصل بينهما. ومثله قالوا فى سورة { ألم ترك كيف } و { الإيلاف } وفى المصحف هما سورتان فصل بينهما ببسم الله.

والمعني بهذه الآيات تعداد نعم الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله فى الامتنان بها عليه فقال { ألم نشرح لك صدرك } فالشرح فتح الشيء باذهاب ما يصد عن إدراكه فالله تعالى قد فتح صدر نبيه باذهاب الشواغل التي تصد عن إدراك الحق وتعظيمه بما يجب له. ومنه قول القائل: أشرح صدري لهذا الأمر. وشرح فلان كتاب كذا، ومنه تشريح اللحم إذا فتحه ورققه، ومنه قوله { أفمن شرح الله صدره للإسلام } وقال البلخي: كان النبي صلى الله عليه وآله ضاق صدره بمغاضبة الجن والانس له فآتاه الله من آياته ووعده ما اتسع قلبه لكل ما حمله الله وأمره به. وقال الجبائي: شرح الله صدره بأن فعل له لطفاً بسنن منه إلى ما كلفه الله وسهل عليه، وكان ذلك ثواباً على طاعاته لا يجوز فعله بالكفار. وعكَسه ضيق الصدر كما قيل فى قولهفمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } والصدر الموضع الارفع الذي فيه القلب، ومنه أخذ صدر المجلس تشبيهاً بصدر الانسان. وصدرته بكذا إذا جعلته في أول كلامك. والصدر لأن الاوامر تصدر عنه. وصادره إذا اخذ ما يصدر عنه والاصل الانصراف عن الشيء.

وقوله { ووضعنا عنك وزرك } قال الحسن: يعني بالوزر الذي كان عليه في الجاهلية قبل النبوة. وقال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد: يعني ذنبك. قالوا: وإنما وصفت ذنوب الانبياء بهذا الثقل مع انها صغائر مكفرة لشدة اغتمامهم بها وتحسرهم على وقوعها مع ندمهم عليها. وهذان التأويلان لا يصحان على مذهبنا، لان الانبياء عليهم السلام لا يفعلون شيئاً من القبائح لا قبل النبوة ولا بعدها ولا صغيرة ولا كَبيرة، فاذا ثبت هذا، فمعنى الآية هو أن الله تعالى لما بعث نبيه وأوحى اليه وانتشر أمره وظهر حكمه كان ما كان من كفار قومه وتتبعهم لاصحابه باذاهم له وتعرضهم إياهم ما كان يغمه ويسؤه ويضيق صدره ويثقل عليه، فازال الله ذلك بأن أعلى كلمته وأظهر دعوته وقهر عدوه وانجز وعده ونصره على قومه، فكان ذلك من اعظم المنن وأجزل النعم.

فاذا قيل: السورة مكية، وكان ما ذكرتموه بعد الهجرة؟!

قيل: ليس يمنع أن يكون الله أخبره بأن ذلك سيكون فيما بعد ليبشره به ويسليه عما هو عليه فجاء بلفظ الماضي وأراد الاستقبال، كما قال

السابقالتالي
2