الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ ٱقتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } * { فَكُّ رَقَبَةٍ } * { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } * { يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } * { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ } * { ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْمَرْحَمَةِ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ }

قرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي { فك رقبة أو إطعم في يوم ذي مسغبة } بغير الف على انه فعل ماض. الباقون { فك رقبة } على الاضافة ويكون الاضافة إلى مفعول { أو إطعام } فوجه الأول قوله { فلا اقتحم العقبة فك رقبة } الثاني أنه على جواب و { ما أدراك ما العقبة } فيكون الجواب بالاسم وتلخيصه هلا اقتحم العقبة ولا يجوز الصراط إلا من كان بهذه الصفة يفك رقبة او يطعم يتيماً فى يوم ذي مسغبة مجاعة، فلا اقتحم بمعنى لم، كما قالفلا صدق ولا صلى } ومعناه لم يصدق ولم يصل، وإنما لم يكرر (لا) لان معنا { ثم كان من الذين آمنوا } يدل على انه لم يقتحم ولم يؤمن، وقرأ ابو عمرو وحمزة وحفص وخلف { مؤصدة } بالهمز. الباقون بغير همز وهما لغتان، يقال: أصدت الباب اوصده إيصاداً فهو مؤصد بالهمز، وأوصدته فهو موصد بغير همز. والوصيد الباب من أوصدت.

لما نبه الله تعالى الانسان على وحدانيته وإخلاص عبادته بقوله { ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين } وما فيهما من الدلالة على قدرته وعلمه وانه هدى الانسان طريق الخير والشر ورغبه فى اتباع الخير وزجره عن إتباع الشر، قال حاثاً له على فعل الخير بقوله { فلا اقتحم العقبة } قال الحسن: عقبة - والله شديدة - مجاهدة الانسان نفسه وهواه وعدوه والشيطان، ولم يكرر (لا) في اللفظ، وهي بمنزلة المكرر في المعنى كأنه قال: أفلا اقتحم العقبة وحذف الاستفهام، والمراد به التنبيه، والاقتحام الدخول على الشدة يقال اقتحم اقتحاماً، واقحم إقحاماً وتقحم تقحماً وقحم تقحيماً ونظيره الادخال والايلاج. والمعنى هلا دخل في البر على صعوبة كصعوبة اقتحام العقبة، والعقبة الطريقة التى ترتقى على صعوبة ويحتاج فيها إلى معاقبة الشدة بالتضييق والمخاطرة، وقيل: العقبة النتئة الضيقة في رأس الجبل يتعاقبها الناس، فشبهت بها العقبة في وجوه البر التى ذكرها الله تعالى. وعاقب الرجل صاحبه إذا صار في موضعه بدلا منه. وقال قتادة: فلا اقتحم العقبة إنها قحمة شديدة، فاقتحموها بطاعة الله. وقال أبو عبيدة: معناه فلم يقتحم في الدنيا.

ثم فسر العقبة فقال { وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة } وتقديره إقتحام العقبة فك رقبة، لان العقبة جثة والفك حدث، فلا يكون خبراً عن جثة. قال ابو علي و (لا) إذا كانت بمعنى (لم) لم يلزم تكرارها.

ثم بين تعالى ما به يكون اقتحام العقبة فقال { فك رقبة } فالفك فرق يزيل المنع، ويمكن معه أمر لم يكن ممكناً قبل، كفك القيد والغل، لانه يزول به المنع، ويمكن به تصرف في الارض لم يكن قبل، ففك الرقبة فرق بينها وبين حال الرق بايجاب الحرية وإبطال العبودية.

السابقالتالي
2