الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قرأ ابن كثير وابو عمرو { دائرة السوء } بضم السين. الباقون بفتح السين. من فتح أراد المصدر، وإنما أضاف الدائرة إلى السوء تأكيداً كما يقال: عيني رأسه وشمس النهار، تقول: سؤته أسوءه سوءاً ومساءة ومسائية، وقولهما كان أبوك امرأ سوء } لا يجوز فيه غير فتح السين، وكذلك في قولهوظننتم ظن السوء } لأن الضم بمعنى الاسم، وتقديره عليهم دائرة العذاب والبلاء.

أخبر الله تعالى ان من جملة هؤلاء المنافقين من الأعراب من يتخذ ما ينفقه في الجهاد وغيره من طرق الخير { مغرماً } اي غرماً من قولهم: غرمته غرماً وغرامة. والغرم لزوم نائبة في المال من غير جناية، ومنه قولهمن مغرم مثقلون } وأصل المغرم لزوم الأمر، ومنه قولهإن عذابها كان غراماً } أي لازماً، وحبّ غرام أي لازم، والغريم كل واحد من المتداينين، وغرمته كذا الزمته إياه في ماله. وقوله { ويتربص بكم الدوائر } فالتربص التمسك بالشيء لعاقبة ومنه التربص بالطعام لزيادة السعر، فهؤلاء يتربصون بالمؤمنين لعاقبة من الدوائر.

والدائرة جمعها دوائر وهي العواقب المذمومة. وقال الفراء والزجاج: كانوا يتربصون بهم الموت والقتل، وإنما خص رفع النعمة بالدوائر دون رفع النقمة، لأن النعمة أغلب واعم لأن كل واحد لا يخلو من نعم الله وليس كذلك النقمة، لأنها خاصة. والنعمة عامة. وقد قيل: دارت لهم الدنيا بخلاف دارت عليهم. ثم قال تعالى { عليهم دائرة السوء } يعني على هؤلاء المنافقين دائرة العذاب والبلاء - في قراءة من قرأ بالضم - وقوله { والله سميع عليم } معناه - ها هنا - انه يسمع ما يقوله هؤلاء المنافقون ويعلم بواطن أمورهم، ولا يخفى عليه شيء من حالهم وحال غيرهم.