قرأ نافع { أذن خير } بالتخفيف الباقون بالتثقيل. وكلهم أضاف. ورفع { ورحمة } الا أبا عمرو فانه جر { ورحمة } وكان يجوز النصب على { ورحمة } يفعل ذلك، ولم يقرأ به أحد، قال أبو علي: تخفيف { أذن } من أذن قياس مطرد نحو طنب وطنب، وعنق وعنق وظفر وظفر لأن ذلك تخفيف وتثقيل لاتفاقهما في الوزن وفي جمع التكسير تقول: آذان وأطناب وأعناق وأظفار، فأما الأذن في الآية فانه يجوز ان يطلق على الجملة وان كان عبارة عن جارحة فيها، كما قال الخليل في الناب من الابل سميت به لمكان الناب البازل، فسميت الجملة كلها به. ويجوز أن يكون (فعلا) من اذن ياذن اذا استمع. ومعناه انه كثير الاستماع مثل شلل وأنف وشحح، قال ابو زيد: رجل اذن ويقن اذا كان يصدق بكل ما يسمع فكما ان (يقن) صفة كبطل كذلك (اذن) كشلل، ويقولون: اذن يأذن اذا استمع، ومنه قوله{ وأذنت لربها } اي استمعت، وقوله{ ائذن لي } اي استمع. وفي الحديث " ما أَذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن " قال الشاعر:
في سماع يأذن الشيخ له
وحديث مثل ما ذي مشار
والمعنى - في الاضافة - مستمع خير لكم وصلاح ومصغ اليه، لا مستمع شر وفساد. ومن رفع { رحمة } فالمعنى فيه أذن خير ورحمة اي مستمع خير ورحمة فجعله للرحمة لكثرة هذا المعنى فيه، كما قال{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ويجوز ان يقدر حذف المضاف من المصدر. وأما من جر فعطفه على { خير } كأنه قال اذن خير ورحمة، وتقديره مستمع خير ورحمة. وجاز هذا كما جاز مستمع خير، لأن الرحمة من الخير وإنما خص تشريفاً، كما قال{ اقرأ باسم ربك الذي خلق } ثم قال{ خلق الإنسان من علق } وان كان قوله تعالى { خلق } عم الانسان وغيره. والبعد بين الجار وما عطف عليه لا يمنع من العطف ألا ترى ان من قرأ { وقيله يارب } انما جعله عطفاً على{ وعنده علم الساعة } وعلم قيله. وروي ان الاعمش قرأ قل { أذن خير ورحمة } وهي قراءة ابن مسعود. اخبر الله تعالى في هذه الآية ان من جمله هؤلاء - المنافقين الذين وصفهم وذكرهم - من يؤذي النبي صلى الله عليه وآله والأذى هو ضرر ربما تنفر منه النفس في عاجل الامر وانهم يقولون هو اذن يعنون النبي صلى الله عليه وآله. ومعنى (اذن) انه يصغي إلى كل احد فيقبل ما يقوله - في قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك - وقيل اصله من اذن اذا استمع على ما بيناه قال عدي بن زيد:
ايها القلب تعلل بددن
ان همي في سماع واذن
وقيل السبب في ذلك: ان قوماً من المنافقين تكلموا بما ارادوه، وقالوا ان بلغه اعتذرنا اليه، فانه اذن يسمع ما يقال له، فقال الله تعالى { قل } يا محمد { أذن خير لكم } لا اذن شر، وليس بمعنى أفعل.