الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ }

هذا نهي للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به المؤمنون والمعنى: لا يروق ناظركم ايها المؤمنون ظاهر حسنها يعني اموال المنافقين والكفار واولادهم تستحسنونه بالطبع البشري. وانما قلنا ذلك. لأن النبي صلى الله عليه وآله مع زهده لا يجوز ان يعجب بها اعجاب مشته لها. وقوله { إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا } وقيل في معنى ذلك وجوه: احدها - قال ابن عباس وقتادة والفراء: ان فيه التقديم والتأخير والتقدير فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم في الحياة الدنيا انما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة، فيكون الظرف على هذا متعلقاً بأموالهم وأولادهم، ومثله قوله تعالىفألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون } وتقديره فالقه اليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم الثاني - قال ابن زيد: معناه انما يريد الله ليعذبهم بحفظها والمصائب فيها مع حرمان النفقة بها. والثالث - قال الجبائي: تقديره انما يريد الله ليعذبهم في الحياة الدنيا عند تمكن المؤمنين من اخذها وغنمها فيتحسرون عليها ويكون ذلك جزاء على كفرهم نعم الله تعالى بها. والرابع - قال البلخي والزجاج: ان معناه فلا تعجبك اموالهم، فانها وبال عليهم، لأن الله يعذبهم بها اي بما يكلفهم من انفاقها في الوجوه التي امرهم بها فتزهق انفسهم لشدة ذلك عليهم لانفاقهم، وهم مع هذا كله كافرون وعاقبتهم النار فيكون قوله { وهم كافرون } اخباراً عن سوء احوالهم وقلة نفع المال والولد لهم ولا يكون عطفاً على ما مضى. والخامس - أن يكون المعنى أن مفارقتها وتركها والخروج عنها بالموت صعب عليهم شديد، لأنهم يفارقون النعم ولا يدرون إلى ماذا يصيرون بعد الموت فيكون حينئذ عذاباً عليهم. بمعنى ان مفارقتها غم وعذاب. ومعنى { وتزهق أنفسهم } اي تهلك وتذهب بالموت يقال: زهق بضاعة فلان اي ذهبت اجمع. السادس - قال الحسن: اخبر الله تعالى عن عاقبتهم انهم يموتون على النفاق. وقال: ليعذبهم بزكاتها وانفاقها في سبيل الله، وهو قول البلخي ايضاً والزجاج مع اعتقادهم ان ذلك ليس بقربة، فيكون ذلك عذاباً أليماً.

واللام في قوله { ليعذبهم } يحتمل ان يكون بمعنى (أن) والتقدير إنما يريد الله أن يعذبهم. والزهق الخروج بصعوبة. وأصله الهلاك، ومنه قولهقل جاء الحق وزهق الباطل } وكل هالك زاهق، زهق يزهق زهوقاً. والزاهق من الدواب السمين الشديد السمن، لأنه هالك يثقل بدنه في السير والكر والفر. وزهق فلان بين ايدي القوم إذا زهق سابقاً لهم حتى يهلك منهم. والاعجاب السرور بما يعجب منه تقول: اعجبني حديثه اي سرني بظرف حديثه.

وليس في الآية ما يدل على ان الله تعالى اراد الكفر على ما يقوله المجبرة، لأن قوله { وهم كافرون } في موضع الحال كقولك اريد ان تذمه وهو كافر واريد ان تضربه وهو عاص وأنت لا تريد كفره ولا عصيانه بل تريد ذمه في حال كفره وعصيانه، وتقديره الاية إنما يريد الله عذابهم وازهاق انفسهم اي اهلاكها في حال كونهم كافرين، كما يقول القائل للطبيب: اختلف الي كل يوم وأنا مريض، وهو لا يريد المرض، ويقول لغلامه: اختلف الي وأنا محبوس، ولا يريد حبس نفسه.