الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

هذه الاية في قوم تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وآله ولم يخرجوا معه إلى غزوة تبوك. وحسن الكناية عنهم وإن لم يجر لهم ذكر لكونهم داخلين في جملة الذين أمروا بالخروج مع النبي صلى الله عليه وآله إلى الجهاد وأن ينفروا معه. والمعنى لو كان المدعو اليه عرضاً قريباً من الغنيمة وما يطمع فيه من المال { وسفراً قاصداً } معناه سفراً سهلا باقتصاده من غير طول في آخره. وسمي العدل قصداً، لأنه مما ينبغي أن يقصد { لاتبعوك } يعني خرجوا معك وبادروا إلى اتباعك { ولكن بعدت عليهم الشقة } اي بعدت عليهم المسافة، لأنهم دعوا إلى الخروج إلى تبوك ناحية الشام، فالشقة القطعة من الأرض التي يشق ركوبها على صاحبها لبعدها. ويحتمل أن يكون من الشق ويحتمل ان يكون من المشقة. والشقة السفر والمشاقة. وقريش يضمون الشين، وقيس يكسرونها. وقريش يضمون العين من { بعدت }.

وقوله { وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم } اخبار منه تعالى ان هؤلاء الذين ذكرهم يحلفون ويقسمون على وجه الاعتذار اليك ويقولون فيما بعد { لو استطعنا لخرجنا معكم } اي لو قدرنا وتمكنا من الخروج لخرجنا معكم ثم اخبر تعالى انهم { يهلكون أنفسهم } بذلك واخبر تعالى انه يعلم انهم يكذبون في هذا الخبر الذي أقسموا عليه. وفي الاية دلالة على أن الاستطاعة قبل الفعل لانهم لا يخلون من احد امرين: إما أن يكونوا مستطيعين من الخروج وقادرين عليه ولم يخرجوا اولم يكونوا قادرين عليه وإنما حلفوا أنهم لو قدروا في المسقبل لخرجوا، فان كان الاول فقد ثبت ان القدرة قبل الفعل، وإن كان المراد الثاني فقد أكذبهم الله في ذلك وبين انه لو فعل لهم الاستطاعة لما خرجوا، وفي ذلك أيضاً تقدم القدرة على المقدور، وليس لهم أن يجعلوا الاستطاعة على آلة السفر وعدة الجهاد، لأن ذلك ترك الظاهر من غير ضرورة فان حقيقة الاستطاعة القدرة وإنما يشبه غيرها بها على ضرب من المجاز، على انه إذا كان عدم الالة والعدة يعذر صاحبه في التأخر فمن ليس فيه قدرة اولى بأن يكون معذوراً وفي الاية دلالة على النبوة لأنه اخبر انهم سيحلفون في المستقبل على ذلك بالله { لو استطعنا لخرجنا معكم } فجاؤا فيما بعد وحلفوا على ما اخبر به.