الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قرأ يعقوب وحده { وكلمة الله هي العليا } بالنصب على تقدير وجعل كلمة الله هي العليا ومن رفع استأنف، وهو أبلغ لأنه يفيد أن كلمة الله العليا على كل حال. وهذا ايضاً زجر آخر وتهديد لمن خاطبه في الاية الاولى بانهم إن لم ينصروا النبي صلى الله عليه وآله ولم يقاتلوا معه ولم يجاهدوا عدوه { فقد نصره الله } أي قد فعل الله به النصر حين اخرجه الكفار من مكة { ثاني اثنين }. وهو نصب على الحال اي هو ومعه آخر، وهو ابو بكر في وقت كونهما في الغار من حيث { قال لصاحبه } يعني ابا بكر { لا تحزن } اي لا تخف. ولا تجزع { إن الله معنا } أي ينصرنا. والنصرة على ضربين: احدهما - يكون نعمة على من ينصره. والآخر - لا يكون كذلك، فنصرة المؤمنين تكون إحساناً من الناصر إلى نفسه لأن ذلك طاعة لله ولم تكن نعمة على النبي صلى الله عليه وآله. والثاني - من ينصر غيره لينفعه بما تدعوا اليه الحكمة كان ذلك نعمة عليه مثل نصرة الله لنبيه صلى الله عليه وآله.

ومعنى { ثاني اثنين } أحد اثنين يقولون هذا ثاني اثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعة، وخامس خمسة، لأنه مشتق من المضاف اليه. وقد يقولون خامس اربعة أي خمس الاربعة بمصيره فيهم بعد أن لم يكن.

والغار ثقب عظيم في الجبل. قيل: وهو جبل بمكة يقال له ثور، في قول قتادة. وقال مجاهد: مكث النبي صلى الله عليه وآله في الغار مع ابي بكر ثلاثاً. وقال الحسن: أنبت الله على باب الغار ثمامة، وهي شجيرة صغيرة. وقال غيره: الهم العنكبوت فنسجت على باب الغار. وأصل الغار الدخول إلى عمق الخباء. ومنه قولهإن أصبح ماؤكم غوراً } وغارت عينه تغور غوراً اذا دخلت في رأسه. ومنه أغار على القوم إذا أخرجهم من أخبيتهم بهجومه عليهم.

وقوله { فأنزل الله سكينته عليه } قيل فيمن تعود الهاء اليه قولان: احدهما - قال الزجاج: إنها تعود إلى النبي صلى الله عليه وآله. والثاني - قال الجبائي: تعود على أبي بكر لأنه كان الخائف واحتاج إلى الأمن لأن من وعد بالنصر فهو ساكن القلب. والاول أصح، لأن جميع الكنايات قبل هذا وبعده راجعة إلى النبي صلى الله عليه وآله ألا ترى أن قوله { إلا تنصروه } الهاء راجعة إلى النبي صلى الله عليه وآله بلا خلاف، وقوله { فقد نصره الله } فالهاء أيضاً راجعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وقوله { إذ أخرجه } يعني النبي صلى الله عليه وآله { إذ يقول لصاحبه } يعني صاحب النبي صلى الله عليه وآله ثم قال { فأنزل الله سكينته عليه } وقال بعده { وأيده بجنود } يعني النبي صلى الله عليه وآله فلا يليق أن يتخلل ذلك كله كناية عن غيره وتأييد الله إياه بالجنود ما كان من تقوية الملائكة لقلبه بالبشارة بالنصر من ربه ومن القاء اليأس في قلوب المشركين حتى انصرفوا خائبين.

السابقالتالي
2