الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ }

هذا خطاب من الله تعالى لجماعة من المؤمنين وعتاب وتوبيخ لهم بأنهم إذا قيل لهم على لسان رسوله { انفروا في سبيل الله } ومعناه اخرجوا في سبيل الله يعني الجهاد وسماه سبيل الله، لأن القيام به موصل إلى معنى الجنة ورضا الله تعالى والنفر الخروج إلى الشيء لامر هيج عليه وضده الهدوء تقول: نفر إلى الثغر ينفر نفراً ونفيراً ولا يقال النفور إلا في المكروه كنفور الدابة عما تخاف، وقوله { اثاقلتم إلى الأرض } اصله تثاقلتم وادغمت التاء في الثاء لمناسبتها لها وادخلت الف الوصل ليمكن الابتداء بها ومثله اداركوا قال الشاعر:
تولى الضجيع إذا ما استافها خصراً   عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
والتثاقل تعاطي اظهار ثقل النفس ومثله التباطئ وضده التسرع. ومعنى { اثاقلتم إلى الأرض } قيل فيه قولان:

احدهما - إلى المقام بارضكم ووطنكم.

الثاني - لما اخرج من الارض من الثمر والزرع. قال الحسن ومجاهد: دعوا إلى الخروج إلى غزوة تبوك بعد فتح مكة وغزوة الطائف، وكان ايام ادراك الثمرة ومحبة القعود في الظل فعاتبهم الله على ذلك. والآية مخصوصة بقوم من المؤمنين دون جميعهم، لأن من المعلوم ان جميعهم لم يكن بهذه الصفة من التثاقل في الجهاد، وهو قول الجبائي وغيره. فقال الله تعالى لهم على جهة التوبيخ، والتعنيف ارضيتم بالحياة الدنيا على الاخرة، آثرتم الحياة الدنيا الفانية على الحياة الآخرة الباقية. وهو استفهام، والمراد به الانكار. والرضا هو الارادة غير انها لا توصف بذلك إلا اذا تعلقت بما مضى من الفعل والارادة توصف بما لم يوجد بعد قال تعالى مخبراً { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } اي ليس الانتفاع بما يظهر للحواس الا قليل ومنه قولهم: تمتع بالرياض والمناظر الحسان. ويقال للاشياء التي لها أثمان: متاع تشبيهاً بالانتفاع به.