الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

قرأ ابو جعفر { اثنا عشر } و { أحد عشر } و { تسعة عشر } بسكون الشين فيهن إلا أن النهرواني روى عنه حذف الألف التي قبل العين.

لما ذكر الله تعالى وعيد الظالم لنفسه بكنز المال من غير اخراج الزكاة وغيرها من الحقوق التي لله منه اقتضى ذلك ان يذكر النهي عن مثل حاله، وهو الظلم في الاشهر الحرم التي تؤدي إلى مثل حاله او شر منها في سوء المنقلب، فأخبر تعالى { إن عدة الشهور } في السنة على ما تعبد الله المسلمين بأن يجعلوه لسنتهم دون ما يعتبره مخالفوا الاسلام { اثنا عشر شهراً } وانما قسمت السنة اثني عشر شهراً لتوافق أمر الاهلة مع نزول الشمس في اثني عشر برجاً تجري على حساب متفق، كما قال:الشمس والقمر بحسبان } والشهر مأخوذ من شهرة أمره لحاجة الناس اليه في معاملاتهم ومحل ديونهم وحجهم وصومهم، وغير ذلك من مصالحهم المتعلقة بالشريعة.

وقوله { في كتاب الله } معناه فيما كتبه الله في اللوح المحفوظ وفي الكتب المنزلة على أنبيائه.

وقوله { يوم خلق السماوات والأرض } متصل بـ { عند الله } والعامل فيها الاستقرار. ثم بين أمر هذه الاثني عشر شهراً { منها أربعة حرم } وهي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب: ثلاثة سرد وواحد فرد كما يعتقده العرب. ومعنى { حرم } انه يعظم انتهاك المحارم فيها اكثر مما يعظم في غيرها، وكانت العرب تعظمها حتى ان الرجل لو لقي قاتل أبيه لم يهجه لحرمته. وانما جعل الله تعالى بعض الشهور اعظم حرمة من بعض لما علم في ذلك من المصلحة في الكف عن الظلم فيها، فعظم منزلتها، وانه ربما أدى ذلك إلى ترك الظلم اصلا لانطفاء النائرة تلك المدة وانكسار الحمية، فان الأشياء تجر إلى اشكالها.

وقوله { ذلك الدين القيم } معناه التدين بذلك هو الدين المستقيم.

وقوله { فلا تظلموا فيهن أنفسكم } نهي منه تعالى لخلقه عن أن يظلموا انفسهم لأن من فعل قبيحاً يستحق عليه العقاب، فقد ظلم نفسه بذلك بادخال الضرر عليها وقال ابو مسلم: معناه لا تدعوا قتال عدوكم في هذه الأشهر بأجمعكم، ولا تمتنعوا من أحد الا من دخل تحت الجزية والصغار، وكان من أهلها بدلالة قوله { وقاتلوا المشركين كافة } وكافة مشتقة من كفة الشيء وهي طرفه وانما أخذ من أن الشيء إذا انتهى إلى ذلك كف عن الزيادة، ولا يثنى كافة ولا يجمع.

وقوله { وقاتلوا المشركين كافة } امر منه تعالى بقتال المشركين أجمع: امر الله تعالى المؤمنين بأن يقاتلوهم كما أن المشركين يقاتلونهم كذلك، والضمير في قوله { فيهن } يحتمل أن يكون عائداً على الشهور كلها على ما قال ابن عباس، ويحتمل أن يعود على الأربعة الحرم على ما قال قتادة لعظم أمرها.

السابقالتالي
2