الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }

قوله تعالى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } امر من الله تعالى لنبيه وللمؤمنين بأن يقاتلوا الذين لا يعترفون بتوحيد الله، ولا يقرون باليوم الاخر والبعث والنشور. وذلك يدل على صحة مذهبنا في اليهود والنصارى وأمثالهم انه لا يجوز أن يكونوا عارفين بالله وإن أقروا بذلك بلسانهم. وانما يجوز أن يكونوا معتقدين لذلك اعتقاداً ليس بعلم. والاية صريحة بأن هؤلاء الذين هم أهل الكتاب الذين تؤخذ منهم الجزية لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر وانه يجب قتالهم { حتى يعطوا الجزية عن يد }. ومن قال: إنهم يجوز أن يكونوا عارفين بالله تعالى، قال: الاية خرجت مخرج الذم لهم، لأنهم بمنزلة من لا يقربه في عظم الجرم. كما انهم بمنزلة المشركين في عبادة الله بالكفر. وقال الجبائي: لأنهم يضيفون اليه ما لا يليق به فكأنهم لا يعرفونه. وانما جمعت هذه الأوصاف لهم ولم يذكروا بالكفار من اهل الكتاب للتحريض على قتالهم بما هو عليه من صفات الذم التي توجب البراءة منهم والعداوة لهم.

وقوله { ولا يدينون دين الحق } يدل على ان دين اليهودية والنصرانية غير دين الحق، وذلك يقوي انهم غير عارفين بالله، لأنهم لو كانوا عارفين كانوا في ذلك محقين، فأما اعتقادهم لشريعة التوارة فانما وصف بأنه غير حق لامرين: احدهما - انها نسخت فالعمل بها بعد النسخ باطل غير حق. الثاني - ان التوراة التي هي معهم مغيرة مبدلة لقولهيحرفون الكلم عن مواضعه } ويقلبونه عن معانيه.

وقوله { ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } معناه انهم لا يعترفون بالاسلام الذي هو الدين الحق، ولا يسلمون لأمر الله الذي بعث به نبيه محمد صلى الله عليه وآله في تحريم حرامه وتحليل حلاله. والدين في الاصل الطاعة قال زهير:
لئن حللت بجو في بني اسد   في دين عمرو وحالت بيننا فدك
وقوله { حتى يعطوا الجزية عن يد } فالجزية عطية عقوبة جزاء على الكفر بالله على ما وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل الذمة - وهو على وزن جلسة، وقعدة - لنوع من الجزاء. وإنما قيل { عن يد } ليفارق حال الغصب على اقرار أحد. وقال ابو علي: معناه يعطونا من ايديهم يجيئون بها بنفوسهم لا ينوب عنهم فيها غيرهم إذا قدروا عليه. فيكون أذل لهم. وقال قوم: معناه عن نقد كما يقال: باع يداً بيد. وقال آخرون: معناه عن يد لكم عليهم ونعمة تسدونها اليهم بقبول الجزية منهم. وقال الحسين بن علي المغربي: معناه عن قهر، وهو قول الزجاج.

وقوله { وهم صاغرون } فالصغار الذل والنكال الذي يصغر قدر صاحبه، صغر يصغر صغاراً، فهو صاغر.

السابقالتالي
2