الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قوله { أم حسبتم } من الاستفهام الذي يتوسط الكلام فيجعل بـ { أم } ليفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ الذي لم يتصل بكلام ولو كان المراد الابتداء لكان اما بالالف أو بـ { هل } كقولههل أتى على الإنسان } والمعنى ظننتم أن تتركوا. والظن والحسبان نظائر، والحسبان قوة المعنى في النفس من غير قطع، وهو مشتق من الحساب لدخوله فيما يحتسب به { ان تتركوا } معنى الترك هو ضد ينافي الفعل المبتدأ في محل القدرة عليه. ويستعمل بمعنى (ألا يفعل) كقولهوتركهم في ظلمات لا يبصرون } وقوله { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } إذا قيل: لما يفعل، فهو نفي للفعل مع تقريب لوقوعه. وإذا قيل: لم يفعل، فهو نفي بعد اطماع في وقوعه. والمعنى ولما يجاهدوا ويمتنعوا ان يتخذوا وليجة ويعلم الله ذلك منكم فجاء مجيء نفي العلم لنفي المعلوم، لأنه متى كان علم الله انه كائن. وكان ابلغ وأوجز، لأنه اتى على طريقة نفي صفات الله تعالى.

وقوله { ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجه } تقديره ولما يعلم الله الذين آمنوا لم يتخذوا من دون الله ولا رسوله وليجه، فالوليجة الدخيلة في القوم من غيرهم تقول: ولج يلج ولوجاً وأولج إيلاجاً وتولج تولجاً بمعنى الدخول.

والوليجة والدخيلة والبطانة نظائر. وكل شيء دخل في شيء وليس منه فهو وليجة، قال طرفة:
فان القوافي يتلجن موالجاً   تضايق عنها ان تولجها الابر
وقال آخر:
متخذاً من ضعوات تولجا   متخذاً فيها اياداً دولجا
يعني الكأس. وقال الفراء: نهوا ان يتخذوا بطانة يفشون اليهم اسرارهم. وقال الجبائي: اتخاذ الوليجة من دون الله ودون رسوله هو النفاق. نهوا أن يكونوا منافقين، وهو قول الحسن، فانه قال: الوليجة هي الكفر والنفاق. وفي الآية دلالة على انه لا يجوز ان يتخذ من الفساق وليجة، لان في ذلك تأليفاً بالفسق يجري مجرى الدعاء اليه مع ان الواجب معاداة الفساق والبراءة منهم، ومع ذلك فهو غير مأمون على الأسرار والاطلاع عليها. قال الزجاج: كانت براءة تسمى الحافرة، لانها حفرت عن قلوب المنافقين، لأنه لما فرض القتال تميز المؤمنون من المنافقين ومن يوالي المؤمنين ممن يوالي اعداءهم.