الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

أقسم الله تعالى في هذه الآية بأنه قد { جاءكم رسول من أنفسكم } لان لام { لقد } هي اللام التي يتلقى بها القسم. والخطاب متوجه إلى جميع الخلق. ومعنى { من أنفسكم } أي انكم ترجعون إلى نفس واحدة كما قالقل إنما أنا بشر مثلكم } ويحتمل ان يكون المراد به من العرب انكم كذلك. ويكون - على هذا - الخطاب متوجها إلى العرب خاصة، فأنتم تخبرونه قبل مبعثه. وقيل: إنه لم يبق بطن من العرب إلا وولد النبي صلى الله عليه وآله وإنما ذكر ذلك لانه أقرب إلى الالفة، وأبعد من المحك واللجاج، واسرع إلى فهم الحجة، فهو من انفسكم في اشرف نسبه منكم، ومن أنفسكم في القرب منكم، ومن انفسكم بالاختصاص بكم.

وقوله { عزيز عليه } أي شديد عليه لأنه لا يقدر على ازالته، والعزيز في صفات الله معناه المنيع القادر الذي لا يتعذر عليه فعل ما يريده. والعزة امتناع الشيء بما يتعذر معه ما يحاول منه، وهو على ثلاثة أوجه: امتناع الشيء بالقدرة أو بالقلة أو بالصعوبة. وقوله { ما عنتم } يعني ما يلحقكم من الأذى الذي يضيق الصدر به ولا يهتدى للخروج منه. ومنه قيل: فلان يعنت في السؤال، ومنه قوله تعالىولو شاء الله لأعنتكم } أي ضيق عليكم حتى لا تهتدوا للخروج منه، والعنت إلقاء الشدة. و (ما) في قوله { ما عنتم } بمعنى الذي، وهو في موضع رفع بالابتداء وخبره { عزيز } قدّم عليه. وقال الفراء: هو رفع بـ { عزيز }. وقوله { حريص عليكم } فالحرص شدة الطلب للشيء على الاجتهاد فيه. والمعنى: حريص عليكم ان تؤمنوا - في قول الحسن - ثم استأنف فقال { بالمؤمنين رؤوف رحيم } أي رفيق بهم رحيم عليهم.