الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }

قوله { فلولا نفر } معناه هلا نفر، وهي للتحضيض إذا دخلت على الفعل، فاذا دخلت على الاسم فهي بمعنى امتناع الشيء لأجل وجود غيره. وقيل في معناه ثلاثة اقوال: احدها - قال الحسن: حث الله تعالى الطائفة النافرة على التفقه لترجع إلى المتخلفة فتحذرها. وقال قتادة: ان المعنى. انه لم يكن لهم ان ينفروا بأجمعهم في السرايا ويتركوا النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة وحده، ولكن تبقى بقية لتتفقه البقية ثم تنذر النافرة وبه قال الضحاك وابن عباس، وقال ابو علي الجبائي: تنفر الطائفة من كل ناحية إلى النبي صلى الله عليه وآله لتسمع كلامه وتتفقه عنه، ثم يبينوا ذلك لقومهم إذا رجعوا اليهم. وقال مجاهد: نزلت الآية في قوم خرجوا إلى البادية ليفقهوهم ولينالوا منهم خيراً، فلما عاتب الله من تأخر عن النبي عند خروجه إلى تبوك وذم آخرين خافوا ان يكونوا منهم فنفروا بأجمعهم، فقال الله: هلا نفر بعضهم ليفقه عن النبي صلى الله عليه وآله ما يجب عليهم وما لا يجب ويرجعون فيخبرون اصحابهم بذلك ليحذروا. والنفور عن الشيء هو الذهاب عنه لتكره النفس له، والنفور اليه الذهاب اليه لتكره النفس لغيره. والتفقه تعلم الفقه. والفقه فهم موجبات المعنى المضمنة بها من غير تصريح بالدلالة عليها، وصار بالعرف مختصاً بمعرفة الحلال والحرام، وما طريقه الشرع. وقوله { لعلهم يحذرون } معناه لكي يحذروا، لأن الشك لا يجوز على الله. والحذر تجنب الشيء لما فيه من المضرة يقال: حذر حذراً وحذّرته تحذيراً وحاذره محاذرة وتحذر تحذراً.

واستدل جماعة بهذه الآية على وجوب العمل بخبر الواحد بأن قالوا: حث الله تعالى الطائفة على النفور والتفقه حتى إذا رجعوا إلى غيرهم لينذروهم ليحذروا، فلولا انه يجب عليهم القبول منهم لما وجب عليهم الانذار والتخويف. والطائفة تقع على جماعة لا يقع بخبرهم العلم بل تقع على واحد. لأن المفسرين قالوا في قوله { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } أنه يكفي أن يحضر واحد.

وهذا الذي ذكروه ليس بصحيح، لأن الذي يقتضيه ظاهر الاية وجوب النفور على الطائفة من كل فرقة، ووجوب التفقه والانذار إذا رجعوا، ويحتمل ان يكون المراد بالطائفة الجماعة التي يوجب خبرهم العلم، ولو سلمنا انه يتناول الواحد او جماعة قليلة، فلم اذا وجب عليهم الانذار وجب على من يسمع القبول؟ والله تعالى إنما اوجب عليه المنذرين الحذر، والحذر ليس من القبول في شيء بل الحذر يقتضي وجوب البحث عن ذلك حتى يعرف صحته من فساده بالرجوع إلى الأدلة، ألا ترى ان المنذر إذا ورد على المكلف وخوفه من ترك النظر فانه يجب عليه النظر ولا يجب عليه القبول منه قبل ان يعلم صحته من فساده، وكذلك إذا ادعى مدع النبوة وان معه شرعاً وجب عليه ان ينظر في معجزه ولا يجب عليه القبول منه وتصديقه قبل ان يعلم صحة نبوته.

السابقالتالي
2