الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

قرأ حمزة وحفص { يزيغ } بالياء. الباقون بالتاء. قال أبو علي النحوي: يجوز أن يكون فاعل (كاد) احد ثلاثة اشياء:

احدها - ان يضمر فيه القصة أو الحديث ويكون (تزيغ) الخبر وجاز ذلك للزوم الخبر لها، فأشبه العوامل الداخلة على الابتداء للزوم الخبر لها، ولا يجوز ذلك في (عسى) لان (عسى) يكون فاعله المفرد في الاكثر ولا يلزمه الخبر، نحو قولهوعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم } فاذا كان فاعله المفرد في كثير من الأمر لم يحتمل الضمير الذي احتمله (كاد) كما لم تحتمله سائر الأفعال التي تسند إلى فاعلها مما لا يدخل على المبتدأ. وما يجيء في الشعر من كاد أن يفعل، وعسى يفعل، فلا يعتد به، لأنه من ضرورة الشعر.

الثاني - من فاعل (كاد) أن يضمنه ذكراً مما تقدم، ولما كان النبي صلى الله عليه وآله والمهاجرون والأنصار قبيلا واحداً وفريقاً جاز أن يضمر في (كاد) ما يدل عليه ما تقدم ذكره من القبيل والحزب والفريق. وقال: منهم من حمله على المعنى كما قال { من آمن بالله واليوم الآخر } ثم قالفلا خوف عليهم } فكذلك فاعل (كاد).

والثالث - من فاعل (كاد) أن يكون فاعلها (القلوب) كأنه بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ وإنما قدم (تزيغ) كما قدم خبر كان في قوله { وكان حقاً علينا نصر المؤمنين } وجاز تقديمه وإن كان فيه ضمير من القلوب ولم يكن ذلك من الاضمار قبل الذكر، لأن النية به التأخير. ومن قرأ بالياء يجوز ان يكون جعل في (كاد) ضمير الحديث فاذا اشتغل (كاد) بهذا الضمير ارتفع القلوب بـ (تزيغ) فذكر وان كان فاعله مؤنثاً لتقدم الفعل. ومن قرأ بالتاء جاز أن يكون ذهب إلى أن القلوب مرتفعة بـ (كاد) فلا يكون يرفع فعلا مقدماً فاذا لم يكن مقدماً قبح التذكير لتقدم ذكر الفاعل كما قبح في قول الشاعر:
ولا أرض أبقل إبقالها   
ولم يصح أبقل أرض. ويجوز أن يكون الفعل المسند على القصة والحديث يؤنث اذا كان في الجملة التي تفسيرها مؤنث كقولهفإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } ويجوز إلحاق التاء في { كاد } من وجه آخر، وهو أن يرفع " تزيغ قلوب " بـ " كاد " فتلحقه علامة التأنيث من حيث كان مسنداً إلى مؤنث كقولهقالت الأعراب } فعلى هذا يكون في " تزيغ " ضمير القلوب. لأن النية في " تزيغ " التأخير.

اقسم الله تعالى في هذه الاية - لأن لام " لقد " لام القسم - بأنه تعالى تاب على النبي والمهاجرين والأنصار بمعنى أنه بمعنى أنه رجع اليهم، وقبل توبتهم { الذين اتبعوه في ساعة العسرة } يعني في الخروج مع إلى تبوك.

السابقالتالي
2