الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }

لما ذكر الله تعالى أنه ليس للنبي والذين آمنوا أن يطلبوا المغفرة للمشركين بين الوجه في استغفار ابراهيم لابيه مع أنه كان كافراً سواء كان أباه الذي ولده او جده لأمه أو عمه على ما يقوله أصحابنا. وهو أن قال: وجه حسن ذلك أنه كان تقدم ذلك موعدة، فلأجلها وجب عليه الوفاء به.

وقيل في معنى الموعدة التي كانت عليه في حسن الاستغفار قولان:

احدهما - ان الموعدة كانت من ابي إبراهيم لابراهيم أنه يؤمن إن استغفر له فاستغفر له لذلك وطلب له الغفران بشرط أن يؤمن { فلما تبين له } بعد ذلك { أنه عدو لله تبرأ منه }.

والثاني - أن الوعد كان من ابراهيم بالاستغفار ما دام يطمع في الايمان كما قالإلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء } فاستغفر له على ما يصح ويجوز من شرائط الحكمة { فلما تبين له أنه عدو لله } وآيس من ايمانه { تبرأ منه }. والذي عندي وهو الأقوى أن أباه أظهر له الايمان وصار اليه، وكان وعده أن يستغفر له إن آمن فلما أظهر الايمان استغفر له، فأعلمه الله ان ما ظهر منه بخلاف ما يبطنه { تبرأ منه } ويقوي ذلك قولهواغفر لأبي إنه كان من الضآلين } اي فيما مضى، ويجوز أن يكون أظهر الكفر بعد ذلك فلما تبين ذلك تبرأ منه. فأما من قال: إن الوعد كان من ابراهيم فالسؤال باق لأن لقائل أن يقول ولم وعد كافراً أن يستغفر له؟ فان قلنا: وعده بأن يستغفر له إن آمن كان الرجوع إلى الجواب الآخر.

والعداوة هي الابعاد من النصرة إلى اعداد العقوبة. والولاية التقريب من النصرة من غير فاصلة بالحياة والكرامة.

وقوله { إن إبراهيم لأواه حليم } قيل في معنى " أواه " ثمانية اقوال: فقال ابن عباس في معنى (أواه) تواب. وقال ابن مسعود: معناه دعاء. وقال الحسن وقتادة: معناه رحيم. وقال مجاهد: معناه موقن. وقال كعب: معناه اذا ذكر النار قال أوه. وقال الضحاك: معناه المؤمن الموقن بالخشية الرحيم. وقال آخرون: معناه فقيه. وقال ابو عبيدة: معناه المتوجع المتضرع إلى الله خوفاً وإشفاقاً. وأصل الأواه من التأوه وهو التوجع والتحزن تقول، تأوه تأوهاً وأوه تأويها، قال المثقب العبدي:
إذا ما قمت أرحلها بليل   تأوه آهة الرجل الحزين
والعرب تقول: أوه من كذا بكسر الواو وتسكين الهاء قال الشاعر:
فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها   ومن بعد أرض دونها وسماء
والعامة تقول: أوه يقال ايضاً أوه بسكون الواو وكسر الهاء وينشد البيت المتقدم ذكره كذلك، وقال الجعدي:
صروح مروح يتبع الورق بعدما   يعرس شكوى آهة وتنمرا
وقال الراجز:
فأوه الداعي وضوضاء أكلبه   
ولو جاء منه (فعل يفعل) لكان آه يؤوه أوهاً على وزن (قال يقول قولا) والحليم هو المهمل على وجه حسن. والحلم الامهال على ما تقتضيه الحكمة. وهي صفة مدح. والله حليم عن العصاة بأمهاله لهم مع قدرته على تعجيل عقوبتهم وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: إنما تبين عداوته لما مات على كفره. وقال ابو علي الجبائي: لما آيس من فلاحه عند تصميمه على بعد الوعد في الايمان بالله الذي كان وعد باظهاره في وقت بعينه.