الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قرأ نافع وابن عباس { أسس بنيانه } بضم الهمزة وكسر السين ورفع النون من بنيانه في الموضعين جميعاً. الباقون بفتح الهمزة ونصب النون من بنيانه. وقرأ ابن عامر الا الداحوني عن هشام وحمزة وخلف وأبوا بكر الا الاعشى والبرجمي { جرف } بسكون الراء. الباقون بضمها. وقرأ ابو عمرو والكسائي والداحوني عن ابي ذكوان وهبة الله عن حفص من طريق النهرواني والدوري عن سليم من طريق ابن فرج وابو بكر الا الأعشى والبرجمي { هار } بالامالة. وافقهم على الوقف علي بن مسلم وابن غالب ومحمّد في الوقف من طريق السوسي من طريق ابن جيش. قال ابو علي الفارسي: البنيان مصدر، وهوجمع كشعير وشعيرة لأنهم قالوا في الواحد بنيانة قال أوس:
كبنيانة القري موضع رحلها   وآثار نسعيها من الدف أبلق
وجاء بناء المصادر على هذا المثل في غير هذا الحرف نحو الغفران وليس بنيان جمع بناء، لأن فعلاناً اذا كان جمعاً نحو كثبان وقضبان لم تلحقه تاء التأنيث، وقد يكون ذلك في المصادر، نحو: أكل وأكلة وضرب وضربة من ذلك. وقال ابو زيد يقال: بنيت أبني بنياً وبناء وبنية وجمعها البنى وأنشد:
بنى السماء فسواها ببنيتها   ولم تمد باطناب ولا عمد
فالبناء والبنية مصدران ومن ثم قوبل به الفراش في قولهالذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء } فالبناء لما كان رفعاً للمبني قوبل به الفراش الذي هو خلاف البناء. ومن ثم وقع على ما كان فيه ارتفاع في نصبته وان لم يكن مبنياً فأما من فتح الهمزة وبنى الفعل للفاعل، فلأنه الباني والمؤسس فأسند الفعل اليه وبناه له كما اضاف البنيان اليه في قوله { بنيانه } فكما ان المصدر مضاف إلى الفاعل كذلك يكون الفعل مبنياً له. ومن بنى الفعل للمفعول لم يبعد ان يكون في المعنى كالاول، لأنه إذا أسس بنيانه فتولى ذلك غيره بأمره كان كبنائه هو له. والأول أقوى لما قلناه. وقال ابو علي (الجرف) - بضم العين - هو الأصل، والاسكان تخفيف ومثله الشغل والشغل. ومثله الطنب والطنب. والعنق والعنق، يجوز في جميعه التثقيل والتخفيف. وكلاهما حسن وقال ابو عبيدة { على شفا جرف هار } مثل، قال: لأن ما يبنى على التقوى فهو أثبت أساساً من بناء يبنى على شفا جرف ويجوز ان تكون المعادلة وقعت بين البنائين، ويجوز أن تكون بين البناءين. فاذا عادلت بين البنائين كان المعنى المؤسس بنيانه متقناً خير ام المؤسس بنيانه غير متقن لأن قوله { على شفا جرف } يدل على أن بانيه غير متق لله. ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف كأنه قال: أبناء من أسس بنيانه على تقوى خير أم بناء من أسس بنيانه على شفا جرف.

السابقالتالي
2