الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

روي عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في عشرة أنفس تخلفوا عن غزوة تبوك فيهم أبو لبابة، فربط سبعة منهم أنفسهم إلى سواري المسجد إلى أن قبلت توبتهم. وقيل: كانوا سبعة منهم ابو لبابة. وقال ابو جعفر عليه السلام: نزلت في ابي لبابة. ولم يذكر غيره، وكان سبب نزولها فيه ما جرى منه في غزوة بني قريظة وبه قال مجاهد. وقال الزهري: نزلت في أبي لبابة خاصة حين تأخر عن تبوك. واكثر المفسرين ذكروا أن أبا لبابة كان من جملة المتأخرين عن تبوك. وروي عن ابن عباس أنها نزلت في قوم من الأعراب. وقيل: نزلت في خمسة عشر نفساً ممن تأخر عن تبوك.

هذه الآية عطف على قوله { ومن أهل المدينة } أي ومنهم { آخرون اعترفوا بذنوبهم } أي أقروا بها مع معرفتهم بها فان الاعتراف هو الاقرار بالشيء عن معرفة والاقرار مشتق من قرّ الشيء إذا ثبت. والاعتراف من المعرفة. وقوله { خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً } معناه انهم يفعلون افعالا جميلة، ويفعلون افعالا سيئة قبيحة، فيجتمعان، وذلك يدل على بطلان القول بالاحباط، لأنه لو كان صحيحاً لكان أحدهما إذا طرأ على الآخر أحبطه، فلا يجتمعان، فكيف يكون خلطاً.

وقوله { عسى الله أن يتوب عليهم } قال الحسن وكثير من المفسرين: إن { عسى } من الله واجبة. وقال قوم: انما قال { عسى } حتى يكونوا على طمع واشفاق فيكون ذلك أبعد من الاتكال على العفو واهمال التوبة، والتقدير في قوله { خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً } اي بآخر سيء ومثله قولك: خلطت الماء واللبن اي بالبن. وقد يستعمل ذلك في الجمع من غير امتزاج كقولهم: خلطت الدراهم والدنانير. وقال قوم: هو يجري مجرى قولهم: استوى الماء والخشبة اي مع الخشبة. وقال اهل اللغة: خلط في الخير مخففاً وخلط في الشر مشدداً. وقوله { إن الله غفور رحيم } تعليل لقبول التوبة من العصاة لأنه غفور رحيم.