الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ }

قد بينا ان المراقبة هي المراعاة لما تقدم من العهد الذي يلزم الديانة، لئلا يقع اخلال بشيء منه. والئل العهد. والذمة عقد الجوار، وهما متقاربان. وفصل بينهما بأن الذمة عقد قوم يذم نقضه. والئل الذي هو العهد عقد يدعو إلى الوفاء والبيان الذي فيه، لأنه يلوح المعنى الذي يدعوا إلى الوفاء إذا ضل كل واحد منهما يقتضي هذا. وانما اعيد ذكر { لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة } لانه في صفة الذين { اشتروا بآيات الله ثمناً } والأول في صفة جميع الناقضين للعهد. وقال في الثاني { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } ، فلذلك كرر بوصفين مختلفين. وقال الجبائي: لأنه في صفة اليهود خاصة، والأول في صفة الناقضين عامة، وإنما ذموا بترك المراقبة، لأن مع تركها الغالب ان يقع إخلال بما تقدم من العقد، فلزمت المراقبة لهذه العلة. وترك المراقبة في عهد المؤمن أعظم منها في ترك عهد غيره لكثرة الزواجر عن الغدر بالمؤمن، لأنه ليس من شأنه الغدر.

اخبر الله تعالى عن هؤلاء المشركين انهم لا يراعون في المؤمن عقد العهد ولا ذمة الجواز، وانهم مع ذلك معتدون. والاعتداء الخروج من الحق واصله المجاوزة، ومنه التعدي وهو تجاوز الحد ومعاداة القوم مجاوزة الحد في البغضة وكذلك العداوة. والاستعداء طلب معاملة العدو في الايقاع به، والعدو مجاوزة حد السعي. والغرض بالآية حث المسلمين على قتالهم، وأن لا يبقوا عليهم كما انهم لو ظهروا على المسلمين لم يبقوا عليهم.