الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } * { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } * { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } * { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } * { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } * { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } * { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } * { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } * { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ }

قوله: { والسماء ذات البروج } قسم من الله تعالى بالسماء، ومنهم من قال تقديره برب السماء. وقد بينا ما فى ذلك فى غير موضع. ثم وصف السماء بأنها ذات البروج. فالبروج المنازل العالية. والمراد - ها هنا - منازل الشمس والقمر - في قول المفسرين - ومثل ذلك قولهولو كنتم في بروج مشيدة } أى فى منازل عالية. وقيل: السماء اثنى عشر برجاً يسير القمر فى كل برج منها يومين وثلثاً، فذلك ثمانية وعشرون منزلا. ثم يستتر ليلتين، ومسير الشمس فى كل برج منها شهر. وقيل: البروج النجوم التي هي منازل الشمس والقمر.

وقوله { واليوم الموعود } قسم آخر بهذا اليوم. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه اليوم الذى يجازى فيه ويفصل فيه القضاء، وهو يوم القيامة - وهو قول الحسن وقتادة وابن زيذ -.

قوله { وشاهد ومشهود } قسم آخر بالشاهد والمشهود، فالشاهد النبي صلى الله عليه وآله والمشهود يوم القيامة - في قول الحسن بن علي عليه السلام وتلا قولهفكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } وقالذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود } وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب، وفي رواية اخرى عن ابن عباس إن الشاهد هو الله، والمشهود يوم القيامة. وقال قتادة: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. وقال الجبائي: الشاهد هم الذين يشهدون على الخلائق، والمشهود هم الذين يشهدون عليهم، قال: ويجوز أن يكون المراد المدركين والمدركات. وجواب القسم محذوف، وتقديره الأمر حق فى الجزاء على الاعمال. وقيل الجواب قوله { قتل أصحاب الأخدود } وقال الأخفش: يجوز أن يكون على التقديم والتأخير، وتقديره { قتل أصحاب الأخدود.. والسماء ذات البروج } وقوله { قتل أصحاب الأخدود } معناه لعن. وقيل لعنوا بتحريقهم فى الدنيا قبل الآخرة. وقال الجبائي: يحتمل أن يكون المعنى بذلك القاتلين، ويحتمل أن يكون المقتولين، فاذا حمل على القاتلين، فمعناه لعنوا بما فعلوه من قتل المؤمنين وإن حمل على المقتولين، فالمعنى انهم قتلوا بالاحراق بالنار. وذكر الله هؤلاء. المؤمنين بحسن بصيرتهم فى الصبر على دينهم حتى أحرقوا بالنار، لا يعطون التقية بالرجوع عن الايمان. والاخدود هو الشق العظيم في الارض، ومنه ما روي في معجزة النبي صلى الله عليه وآله أن الشجرة دعاها النبي صلى الله عليه وآله فجعلت تخد الأرض خداً، حتى اتته. ومنه الخد لمجاري الدموع. والمخدة لوضع الخد عليها، وتخدد لحمه إذا صار فيه طرائق كالشقوق.

وقوله { النار ذات الوقود } فجرّ النار على البدل من الاخدود، وهو بدل الاشتمال، ووصفها بأنها ذات الوقود، فالوقود - بفتح الواو - ما يشعل من الحطب وغيره - وبضم الواو - الايقاد.

السابقالتالي
2