الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ } * { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } * { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } * { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } * { يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ } * { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } * { وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ }

قرأ الكسائي وحده { خاتمه مسك } بألف قبل التاء. الباقون { ختامه مسك } فالختام مصدر، والخاتم صفة، ونظيره: رجل كريم الطابع والطباع قال الفرزدق:
فبتن خبابتي مصرعات   وبت افض اغلاق الختام
وقرأ ابو جعفر ويعقوب { تعرف } بضم التاء وفتح الراء { نضرة } بالرفع على ما لم يسم فاعله. الباقون بفتح التاء وكسر الراء ونصب { نضرة }.

لما ذكر الله تعالى الفجار وما أعده لهم من أنواع العقاب وأليم العذاب ذكر الأبرار وهو جمع بر مثل جبل واجبال. والابرار الذين فعلوا الطاعات واجتنبوا المعاصي، واخبر { إن كتاب الأبرار لفي عليين } أي مراتب عالية محفوفة بالجلالة، فقد عظمها الله تعالى بما يدل على عظم شأنها في النعمة، وجمعت بالواو والنون تشبيها بمن يعقل في الفضل وعظم الشأن. وقال ابن عباس: العليون الجنة. وقال كعب وقتادة ومجاهد والضحاك: أرواح المؤمنين في السماء السابعة، وقال الضحاك - في رواية - عليون سدرة المنتهى، وهي التي اليها ينتهي كل شيء من أمر الله تعالى. وقيل: عليون علو على علو مضاعف، ولهذا جمع بالواو والنون تفخيماً لشأنه قال الشاعر:
فأصبحت المذاهب قد أذاعت   به الاعصار بعد الوابلينا
يريد مطراً بعد مطر غير محدود العدد، وكذلك تفخيم شأن العد الذي ليس على الواحد، نحو ثلاثين إلى تسعين، وجرت العشرون عليه. وقيل: عليون أعلى الأمكنة. وقال الحسن: معنى فى عليين في السماء. وقال الجبائي: معناه فى جملة الملائكة العليين، فلذلك جمع بالواو والنون.

ثم قال تعالى على وجه التعظيم لشأن هذه المنازل وتفخيم أمرها { وما أدراك ما عليون } لان تفصيلها لا يمكن العلم بها إلا بالمشاهدة دون علم الجملة. ثم قال { كتاب مرقوم } أي الكتاب الذي ثبت فيه طاعتهم { مرقوم } أي مكتوب فيه جميع طاعاتهم بما تقرّ به أعينهم وتوجب سرورهم بضد الكتاب الذي للفجار، لان فيه ما يسؤهم ويسخن أعينهم { يشهده المقربون } أي يشهد هذا الكتاب الملائكة المقربون أي يشاهدون جوائزهم ويرونها. ومعنى المقربون - ها هنا - هم الذين قربوا إلى كرامة الله فى أجل المراتب.

ثم اخبر تعالى { إن الأبرار } وهم أهل البر الذين فعلوه لوجهه خالصاً من وجوه القبح، فالبر النفع الذي يستحق به الشكر والحمد يقال: برّ فلان بوالده فهو بار به وبرّ به، وجمعه أبرار { لفي نعيم } أي ويحصلون فى ملاذ وأنواع من الفنع { على الأرائك ينظرون } قال ابن عباس: الارائك الاسرة. وقال مجاهد: هي من اللؤلئ والياقوت، واحدها أريكة، وهو سرير فى حجلة ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الملك والكرامة، والحجلة كالقبة على الاسرة، ثم قال { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } أي تتبين في وجوههم إشراق النعمة والسرور بها.

السابقالتالي
2