الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } * { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } * { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } * { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } * { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } * { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } * { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ }

قرأ ابن كثير واهل البصرة { سجرت } خفيفة الجيم. الباقون بتشديدها وقرأ اهل المدينة وابن عامر وحفص عن عاصم { نشرت } خفيفة الشين. الباقون بالتشديد. وقرأ نافع وباقي أهل المدينة وابن عامر فى رواية ابن ذكوان وعاصم إلا يحيى ورويس { سعرت } بتشديد العين. الباقون بتخفيفها. وقرأ ابو جعفر { قتلت } مشددة التاء، الباقون بتخفيفها.

يقول الله تعالى مخبراً عن وقت حضور القيامة وحصول شدائدها { إذا الشمس كورت } فاللفظ وإن كان ماضياً فالمراد به الاستقبال، لأنه إذا اخبر تعالى بشيء فلا بد من كونه، فكأنه واقع. والفعل الماضي يكون بمعنى المستقبل فى الشرط والجزاء، وفى أفعال الله، وفى الدعاء إذا تكرر كقولك حفظك الله وأطال بقاءك.

ومعنى { كورت } - فى قول ابن عباس وابي بن كعب ومجاهد وقتادة والضحاك - ذهب نورها. وقال الربيع بن خيثم: معناه رمي بها، والتكوير تلفيف على جهة الاستدارة ومنه كور العمامة، كور يكور تكويراً، ومنه الكارة، ويقال: كورت العمامة على رأسي اكورها كوراً وكورتها تكويراً. ويقال: طعنه فكوره أى رمى به، ذكره الازهرى، ومنه قولهم: اعوذ بالله من الحور بعد الكور أى من النقصان بعد الزيادة فالشمس تكور بأن يجمع نورها حتى يصير كالكارة الملقاة فيذهب ضوءها ويجدد الله - عز وجل - للعباد ضياء غيرها.

وقوله { وإذا النجوم انكدرت } فالنجوم جمع نجم، وهو الكوكب وجمعه كواكب. ومنه نجم النبت إذا طلع ينجم نجماً فهو ناجم، وكذلك نجم القرن، ونجم السن. والانكدار انقلاب الشيء حتى يصير الأعلى الاسفل بما لو كان ماء لتَكدر. وقيل: اصل الانكدار الانصباب. قال العجاج:
ابصر خربان فضاء فانكدر   
وقال مجاهد والربيع بن خيثم وقتادة وابو صالح وابن زيد: انكدرت معناه تناثرت. وقوله { وإذا الجبال سيرت } فمعنى تسيير الجبال تصييرها هباء وسراباً وقوله { وإذا العشار عطلت } فالعشار جمع عشراء، وهي الناقة التي قد أنى عليها عشرة اشهر من حملها، وهو مأخوذ من العشرة. والناقة إذا وضعت لتمام ففي سنة، وقال الفراء: العشار لقح الابل التي عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم. وقال الجبائي: معناه ان السحاب يعطل ما يكون فيها من المياه التى ينزلها الله على عباده فى الدنيا. وحكى الازهري عن ابي عمرو انه قال: العشار الحساب. قال الازهرى: وهذا لا اعرفه فى اللغة. والمعنى إن هذه الحوامل التى يتنافس اهلها فيها قد اهملت.

وقوله { وإذا الوحوش حشرت } قال عكرمة: حشرها موتها. وغيره قال: معناه تغيرت الأمور بأن صارت الوحوش التى تشرد في البلاد تجتمع مع الناس وذلك ان الله تعالى يحشر الوحوش ليوصل اليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي دخلت عليها، وينتصف لبعضها من بعض، فاذا عوضها الله تعالى، فمن قال: العوض دائم قال تبقى منعمة على الأبد.

السابقالتالي
2