الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } * { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } * { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } * { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } * { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } * { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي ورويس " بظنين " بالظاء أي ليس على الغيب بمتهم، والغيب هو القرآن، وما تضمنه من الاحكام وغير ذلك من اخباره عن الله. الباقون - بالضاد - بمعنى انه ليس بخيلا لا يمنع أحداً من تعليمه ولا يكتمه دونه. وفى المصحف بالضاد.

قوله { فلا أقسم بالخنس } معناه إقسم و (لا) صلة. وقد بينا نظائره فيما مضى. و { الخنس } جمع خانس، وهو الغائب عن طلوع، خنست الوحشية فى الكناس إذا غابت فيه بعد طلوع. وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أن الخنس النجوم لانها تخنس بالنهار وتبدو بالليل. وقيل: تخنس في مغيبها بعد طلوعها، وبه قال الحسن ومجاهد. وقال ابن مسعود وسعيد بن جبير والضحاك: هي الظباء. وقيل: القسم بالنجوم الخنس بهرام وزحل والمشتري وعطارد والزهرة. وقوله " الجوار الكنس " معناه النجوم التى تجري فى مسيرها ثم تغيب فى مغاربها على ما دبّره تعالى فيها ففي طلوعها، ثم جريها فى مسيرها، ثم غيبتها فى مواقفها من الآية العظيمة والدلالة الباهرة المؤدية إلى معرفته تعالى ما لا يخفى على متأمل معرفته وعظيم شأنه، فالجارية النجوم السيارة، والجارية السفن فى البحار، والجارية المرأة الشابة.

وقوله { الكنس } نعت لـ { الجوار } وهو جمع (كانس) وهي الغيب فى مثل الكناس، وهو كناس الوحشية بيت تتخذه من الشجرة تختفي فيه، قال طرفة:
كأن كناسي ضالة مكنفانها   واطرقسيّ تحت صلب مؤيد
وقوله { والليل إذا عسعس } قسم آخر، ومعنى { عسعس } أدبر بظلامه - فى قول أمير المؤمنين علي عليه السلام وابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد - وقال الحسن ومجاهد في رواية والفضل بن عطية: أقبل بظلامه، وتقول العرب: عسعس الليل إذا أدبر بظلامه. قال علقمة بن قرط:
حتى إذا الصبح لها تنفساً   وانجاب عنها ليلها وعسعسا
وقيل: عسعس دنا من أوله واظلم، والعس طلب الشيء بالليل، عسّ يعس عساً، ومنه أخذ العسس. وقال صاحب العين: العس نقض الليل عن أهل الريبة والعس قدح عظيم من خشب أو غيره، وكأن أصله امتلاء الشيء بما فيه، فقدح اللبن من شأنه أن يمتلئ به، ويمتلىء الليل بما فيه من الظلام، وعسعس أدبر بامتلاء ظلامه. وقال الحسن { والليل إذا عسعس } معناه إذا أظلم والصبح إذا تنفس إذا أسفر.

وقوله { والصبح إذا تنفس } قسم آخر بالصبح إذا أضاء وامتد ضوءه يقال: تنفس الصبح وتنفس النهار إذا امتد بضوئه، والتنفس امتداد هواء الجوف بالخروج من الفم والأنف يقال: تنفس الصعداء.

وقوله { إنه لقول رسول كريم } جواب الاقسام التى مضت، ومعنى { إنه لقول } يعني القرآن { رسول كريم } وهو جبرائيل عليه السلام - فى قول قتادة والحسن - بمعنى إنه سمعه من جبرائيل، ولم يقله من قبل نفسه.

السابقالتالي
2 3