الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } * { مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } * { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ } * { كِرَامٍ بَرَرَةٍ } * { قُتِلَ ٱلإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } * { مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ } * { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } * { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } * { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } * { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } * { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ }

يقول الله تعالى { كلا } أي ليس الأمر ينبغي أن يكون على هذا، وقوله { إنها تذكرة } أي كلا إن السورة تذكرة { فمن شاء ذكره } أي التنزيل أو الوعظ. وقال قوم: الهاء عماد، والمبتدأ محذوف وتقديره إنها هي تذكرة. والتذكرة حضور الموعظة ففيها أعظم الفائدة وفي الغفلة اكبر الآفة.

والفرق بين التذكرة والمعرفة أن التذكرة ضد الغفلة والمعرفة تضاد الجهل والسهو، فكلاهما يتعاقبان على حال الذكر دون السهو، كتعاقب العلم وأضداده على حال الذكر دون السهو، والذكر معظم، لانه طريق إلى العلم بالحق من الباطل والصحيح من الفاسد. وقيل: إن قوله { كلا } دال على أنه ليس له ان يفعل ذلك في ما يستأنف. فاما الماضي فلم يدل على انه معصية، لأنه لم يتقدم النهي عنه.

وقوله { فمن شاء ذكره } دليل على بطلان مذهب المجبرة في أن القدرة مع الفعل، وأن المؤمن لا قدرة له على الكفر، وأن الكافر لا يقدر على الايمان، لأنه تعالى بين أن من شاء ان يذكره ذكره، لانه قادر عليه.

وقوله { في صحف مكرمة } أي ما ذكرناه تذكرة في صحف مكرمة أي معظمة مبجلة، ووصفت الصحف بأنها مكرمة تعظيماً لما تضمنته على الحكمة. وقوله { مرفوعة مطهرة } أي مصونة عن ان تنالها أيدي الكفار الانجاس. وقال الحسن: مطهرة من كل دنس. وقوله { مرفوعة مطهرة } أي رفعها الله عن دنس الانجاس ونزهها عن ذلك. وقوله { بأيدي سفرة } قيل السفرة ملائكة موكلون بالاسفار من كتب الله. والسفرة الكتبة لاسفار الحكمة، واحدهم سافر، كقولك كاتب وكتبة، وواحد الاسفار سفر. وأصله الكشف من الأمر، سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها، فالكاتب يسفر بالكتاب عما في النفس. وقال ابن عباس: السفرة الكتبة، وفي رواية أخرى عنه إنها الملائكة. وقال قتادة: هم القراء: وقيل: هم الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله ورسوله، وسفير القوم الذي يسفر بينهم في الصلح، وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم، قال الشاعر:
ولم أدع السفارة بين قومي   وما أمشي بغش إن مشيت
واسفر الصبح إذا أضاء. وقوله { كرام بررة } من صفة السفرة، وصفهم الله بأنهم كرام، وهو جمع كريم، وهو الذي من شأنه أن يأتي بالخير من جهته مهناً من غير شائب يكدره. وهي صفة مدح، ومنه أخذت الكرمة لشرف ثمرتها، والكرم يتعاظم، فالنبي أكرم ممن ليس بنبي، والمؤمن اكرم ممن ليس بمؤمن. و { البررة } جمع بار، تقول برّ فلان فلاناً يبره فهو بار إذا أحسن اليه ونفعه. والبر فعل النفع اجتلاباً للمودة. والبار فاعل البر، وجمعه بررة مثل كاتب وكتبة. وأصله اتساع النفع منه، ومنه البر سمي به تفاؤلا باتساع النفع به، ومنه البر لاتساع النفع به.

السابقالتالي
2