الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } * { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ }

تقدير الاية واذكر يا محمد إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشاً. قال الحسن كان المسلمون يريدون العير، ورسول الله يريد ذات الشوكة لما وعده الله. وقوله { إحدى الطائفتين } يعني عير قريش او قريشاً، وكان الله وعد نبيه حصول احداهما.

وقوله { إحدى الطائفتين } في موضع نصب بـ { يعدكم الله } وقوله { أنها لكم } نصب بدل من قوله { إحدى الطائفتين } ومثلههل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة } فانها في موضع نصب بدلا من (الساعة). ومثله:ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم } قال الزجاج: تقديره لو لا أن تطؤهم.

وقوله { وتودون } معناه وتحبون { أن غير ذات الشوكة } يعني القتال. وانما قال { ذات الشوكة } فأنث لأنه عنى الطائفة، والشوكة الجد، يقال: ما اشد شوكة بني فلان، وفلان شاك في السلاح وشائك وشاك - بتشديد الكاف - من الشكة. ومثله شاك في قوله الشاعر:
فيوهموني انني هو ذا كم   شاك سلاحي في الحوادث معلم
وقال الضحاك، وغيره: كرهوا القتال واعجبهم أن يأخذوا العير.

وقوله { ويريد الله أن يحق الحق } معناه إن الله يريد أن يظهر محمداً صلى الله عليه وآله ومن معه على الحق { ويبطل الباطل } اي يبطل ما جاء به المشركون.

وقيل: هذه الآية نزلت قبل قوله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } وهي في القراءة بعدها - ذكره البلخي والحسن -

وفي الاية دلالة على ان الله لا يريد الباطل ولا يريد ابطال الحق بخلاف ما يقول المجبرة من ان كل ما في الأرض من باطل وسفه وفسق فان الله يريده لأن ذلك خلاف الاية.

وقوله { ويقطع دابر الكافرين } معناه يريد الله ان يجتث الجاحدين من اصلهم والدابر المأخر، وقطعه الاتيان على جميعهم - وهو قول ابن زيد وغيره - وقال قوم: الحق في هذا الموضع القرآن. والباطل ابليس. وقيل الحق الاسلام، والباطل الشرك.

وقال ابن عباس: كان عدة اهل بدر مع النبي صلى الله عليه وآله ثلثمائة وثلاث عشر رجلا وروي " أَن النبي صلى الله عليه وآله لما بلغه خروج قريش لحماية العير شاور أَصحابه، فقال قوم: خرجنا غير مستعدين للقتال. وقال المقداد: إِمض لما أَمرك الله به، فوالله لو خضت بنا الجمر لتبعناك، فجزاه خيراً. وأعاد الاستشارة، فقال سعد بن معاذ (رحمه الله) يا رسول الله لعلك تريدنا؟ قال: نعم فقال سعد: إنا آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق وأَعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لنخوضنه معك، فسر رسول الله صلى الله عليه وآله بقول سعد ونشطه ذلك. ثم قال سيروا على بركة الله وأَبشروا فان الله وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أَنظر إلى مصارع القوم ".

و { الحق } وقوع الشيء في موضعه الذي هو له فاذا اعتقد شيء بضرورة او حجة فهو حق، لأنه وقع موقعه الذي هو له، وعكسه الباطل.

وروي ان احداً لم يشاهد الملائكة يوم بدر إلا رسول الله صلى الله عليه وآله. ومعنى قوله { ليحق الحق } ليظهر تحقيق الحق للمخلوقين، ويبطل الباطل، لا أنهما لم يكونا كذلك عنده.