الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قرأ ابو بكر عن عاصم " السلم " بكسر السين. الباقون بفتحها وفي ذلك ثلاث لغات: الفتح والكسر مع سكون اللام، وفتح السين واللام معاً ومعناها المسالمة ولذلك أنث قال رجل من اليمن جاهلي:
أنا بل انني سلم   لاهلك فاقبلي سلمى
قال ابو الحسن: السلم فيها الكسر والفتح لغتان. وقال غيره: السلم بفتح السين واللام على ثلاثة أوجه. تقول: أخذت الأسير سلماً اي على الاستسلام. والسلم السلف على السلامة. والسلم شجر واحده سلمة، تقول له بالسلامة.

وقوله: { وإن جنحوا للسلم } معناه ان مالوا إلى المسالمة، تقول: جنح يجنح جنوحاً وجنحت السفينة إذا مالت إلى الوقوف، ومنه جناح الطائر لانه يميل به في احد شقيه. ولا جناح عليه في كذا اي لا ميل إلى مأثم، قال ابو زيد: جنح يجنح جنوحاً إذا اعطى بيده او عدل إلى ما يحب القوم، وجنح العدو والخيل، وجنحت الابل إذا اخفضت في السير. وليس في الآية ما يدل على ان الكفار إذا ما لو إلى الهدنة وجب اجابتهم اليها على كل حال، لأن الأحوال تختلف في ذلك، فتارة تقتضي الاجابة، وتارة لا تقتضي، وذلك إذا وتروا المسلمين بأمر يقتضي الغلظة مع حصول العدة والقوة.

فان قيل: اذا جازت الهدنة مع الكفار فهلا جاز المكافة في أمر الامامة حتى يجوز تسليمها إلى من لا يستحقها؟ قلنا: تسليم الامامة إلى من لا يستحقها فساد في الدين كفساد تسليم النبوة إلى مثله. وقوله { وتوكل على الله } اي فوض امرك اليه تعالى وثق بأنه لا يدبره الا على ما تقتضيه الحكمة.

واختلفوا هل في الآية نسخ؟ فقال الحسن وقتادة وابن زيد: نسخها قوله:اقتلوا المشركين } وقال قوم: ليست منسوخة، لانها في الموادعة لاهل الكتاب والاخرى في عباد الاوثان، والصحيح أنها ليست منسوخة، لأن قوله:فاقتلوا المشركين } نزلت في سنة تسع وبعث بها رسول الله إلى مكة ثم صالح اهل نجران بعد ذلك على الفي حلة: ألف في صفر وألف في رجب. وقوله { إنه هو السميع العليم } معناه انه يسمع دعاء من يدعوه عليم بما تقتضي المصلحة من اجابته وحسن تدبيره