الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } * { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ }

من مد الف { كما } فلأن المد يقع في حروف اللين، وهي الالف والواو والياء، فاذا كان الحروف منها قبل همزة، وكانت الواو والياء ساكنتين والالف لا تكون الا ساكنة مدوا الالف كألف هذه الكلمة، وكقولهمن السماء من ماء } بمد الف السماء والف ماء، والياء نحو قولهوما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } بمد الياء من الهوي، والواو نحو قولهقالوا أأنت فعلت هذا } بمد الواو.

واختلفوا في الكاف من قوله { كما } إشارة إلى ماذا؟ فقال الزجاج وغيره: قوله { كما أخرجك } معطوف على قوله { قل الأنفال لله والرسول } والمعنى في ذلك أن رسول الله لما جعل النفل لمن جعله له وسلمه المؤمنون لذلك على كراهية بعضهم له كراهية طباع، فقال { الأنفال لله والرسول } فامض لذلك، وإن كرهه قوم كما مضيت { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } وهم كارهون أيضاً لأنهم كانوا كرهوا خروجه الكراهية التي ذكرناها، وليس على المؤمنين في هذه الكراهية حرج، إذا سلموا الأمر لله ورسوله وعملوا بما فيه طاعاتهما. وقال غيره: ذلك معطوف على قوله { يسألونك عن الأنفال } كأنه قال: يسألونك الأنفال كما جادلوك عند ما اخرجك ربك من بيتك، فذلك قوله { يجادلونك في الحق بعد ما تبين }. وقال قوم: يجوز أن يكون الكاف عطفاً على قوله { أولئك هم المؤمنون حقاً... كما أخرجك ربك من بيتك بالحق }. وقال بعضهم { كما أخرجك ربك من بيتك... فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم }. وقال مجاهد { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق... يجادلونك في الحق من بعد ما تبين } يعني يجادلونك في القتال بعد ما أمرت به. وقال الفراء: قوله { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } جواب قوله { وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون } فقال: فامض لأمرك في الغنائم على ما شئت { كما أخرجك ربك } مجاز اليمين كأنه، قال والذي اخرجك ربك، فتكون " ما " في موضع الذي كقولهوما خلق الذكر والأنثى } وتقديره والذي خلق الذكر، وقال ابو عبيدة معمر بن المبنى: " ما " في قوله { كما أخرجك } كما في قولهوما بناها } اي وبنائها. وقال عكرمة: المعنى { اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } فان ذلك خير لكم { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق } وكان خير لكم.

وقال بعضهم: الكاف بمعنى (على) كأنه قال: إمض على الذي اخرجك من بيتك. والحق الذي جادلوا فيه هو القتال في قول مجاهد. و { بيتك } يراد به المدينة، اخرجه الله إلى بدر - في قوله ابن جريج، وابن ابي نجيح واكثر المفسرين -

ووجه كراهية القتال - ما ذكره ابن عباس - من ان أبا سفيان لما اقبل بعير قريش من الشام فيها أموالهم، ندب النبي صلى الله عليه وآله المسلمين إلى الخروج اليها، قال لعل الله أن ينفلكموها، فانتدب اليهم، فخف بعضهم، وثقل بعضهم، ولم يظنوا أن رسول الله ملقي كيداً ولا حزنا، وهو قول السدي والمفسرين.

السابقالتالي
2