الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ }

بني المضارع مع نون التأكيد، لأن النون لما أبطلت السكون اللازم للجزم الذي هو أمكن في الفعل، كانت على إبطال غيره من الاعراب أقوى. وإنما بني على الفتح لسلامتها من البابين الكسرة والضمة في المؤنث والجمع، في قولهم لا تحسبن يا امرأة، ولا تحسبن يا قوم. وتثبت الألف مع الجازم في { إما تخافن } ولم تثبت مع الجازم في قولك (لا تخف القوم) لان الحركة في هذا عارضة، لأن التقاء الساكنين من كلمتين.

أمر الله تعالى نبيه انه متى خاف - ممن بينه وبينه عهد - خيانة أن ينبذ اليه عهده على سواء. والخيانة نقض العهد فيما ائتمن عليه، تقول: خانه يخونه خيانة، واختان المال اختياناً. وتخونه تخوناً وخونه تخويناً و (النبذ) القاء الخبر إلى من لا يعلمه بما يوجب أنه حرب بنقض عهد أو إقامة على بغي تقول: نبذ ينبذ نبذاً وانتبذ انتباذاً وتنابذ القوم تنابذاً، ونابذه منابذة.

وقوله { على سواء } قيل في معناه قولان: احدهما - على استواء في العلم به أنت وهم في انكم حرب لئلا يتوهموا أنك العهد بنصب الحرب. والثاني - ان معناه على عدل من قول الراجز:
فاضرب وجوه الغدر الاعداء   حتى يحيوك على السواء
أي على العدل. ومنه قيل للوسط سواء، لاعتداله إلى الجهات، كما قال حسان بن ثابت:
يا ويح انصار النبي ورهطه   بعد المغيب في سواء الملحد
اي في وسطه. وقال الوليد بن مسلم: معناه على مهل وهذا بعيد، لأنه لا يعرف في اللغة. فان قيل كيف جاز نبذ العهد ونقضه بالخوف من الخيانة؟

قيل: انما فعل ذلك لظهور امارات الخيانة التي دلت على نقض العهد ولم تشتهر ولو اشتهرت لم يجب النبذ، كما حارب رسول الله صلى الله عليه وآله أهل مكة، لما نقضوا العهد بقتل خزاعة، وهم في ذمة النبي صلى الله عليه وآله فلما فعلوا ذلك فعلاً ظاهراً مشهوراً أغنى ذلك عن نبذ العهد اليهم، ولو نقضوه على خفى لم يكن بد من نبذ العهد اليهم، لئلا ينسب إلى نقض العهد والغدر.

وقوله { إن الله لا يحب الخائنين } معناه انه يبغضهم وانما عبر بحرف النفي، لأن صفة النفي تدل على الاثبات إذا كان هناك ما يدل عليه، وهو أبلغ في هذا الموضع لأن معناه: انهم حرموا محبة الله بخيانتهم واوجب ذلك بغضه اياهم. ومحبة الله للخلق ارادة منافعهم وبغضه اياهم ارادة عقابهم.

والآيتان معاً نزلتا في بني قريظة، قال الواقدي: نزلت هذه الآية في بني قينقاع، وبهذه الآية سار النبي صلى الله عليه وآله اليهم.