الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

التقدير: واذكر { إذ زين لهم } يعني المشركين { زين لهم الشيطان أعمالهم } بمعنى حسنها في نفوسهم والتزيين هو التحسين. والمعنى أن ابليس حسن للمشركين أعمالهم وحرضهم على قتال محمد، وخروجهم من مكة، وقوى نفوسهم، وقال لهم { لا غالب لكم اليوم من الناس }. تقول غلب يغلب غلبة، فهو غالب، وغالبه مغالبة وتغالبا تغالباً وغلبه تغليباً. والغلبة القهر للمنازع، والملك لامره.

وقوله { وإني جار لكم } حكاية عما قال ابليس للمشركين، فانه قال لهم اني جار لكم، لأنهم خافوا بني كنانة لما كان بينهم، فأراد إبليس بأن يسكن خوفهم، والجار هو الدافع عن صاحبه السوء أجاره يجيره جواراً. ومنه قولهوهو يجير ولا يجار عليه } اي يعقد لمن احب دفع الضرر عنه من كل احد ولا يعقد عليه، فالجار المجير. وقوله { فلما تراءت الفئتان } معناه، فلما التقتا ورأى بعضهم بعضاً { نكص } يعني ابليس { على عقبيه } والنكوص هو الرجوع ققهرى خوفاً مما يرى. نكص ينكص نكوصاً، قال زهير:
هم يضربون حبيك البيض اذ لحقوا   لا ينكصون اذا ما استلحموا وحموا
واختلفوا في ظهور الشيطان لهم حتى رأوه، فقال ابن عباس، والسدي وقتادة، وابن اسحاق: ظهر لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي في جماعة من جنده، وقال لهم: هذه كنانة قد أتتكم نجدة، فلما رأى الملائكة { نكص على عقبيه } فقال الحارث بن هشام إلى اين يا سراقة، فقال { إني أرى ما لا ترون } وهو قول أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وقيل إنه راى جبرائيل بين يدي النبي صلى الله عليه وآله. وقال ابو علي الجبائي حوّله الله على صورة إنسان علماً للنبي صلى الله عليه وآله بما يخبر به عنه. وقال الحسن والبلخي: إنما هو يوسوس من غير ان يحول في صورة انسان.

وقوله { إني أخاف الله والله شديد العقاب } حكاية عن قول ابليس حين ولى فقال لقريش اني ارى من الملائكة ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب. وانما خافه من ان يأخذه في تلك الحال بعقوبته دون ان يكون خاف معصيته فامتنع منها.

قال الحسن: إبليس عدو الله لا يخاف الله لكن كلما استؤصل جند من جنوده وقعت بذلك عليه مخافة وذلة. وقال البلخي هو كقولك للرجل جمعت بين الفريقين حتى اذا وقع الشر بينهم خليتهم وانصرفت، وقلت اعملوا ما شئتم وتريد بذلك انك خليت بينهم دون ان يكون هناك قول، والاول هو المشهور في التفاسير.

والواو دخلت في قوله { وإذ زين لهم الشيطان } للعطف على خروجهم بطراً ورئاء الناس، فعطف حالهم في تزيين الشيطان اعمالهم على حالهم في خروجهم بطراً.