الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

قرأ حمزة والكسائي { ليميز } مضمومة الياء مشددة، والباقون بفتح الياء خفيفاً.

اخبر الله تعالى انه يحشر الكفار إلى جهنم { ليميز الخبيث } الذي هو الكافر { من الطيب } الذي هو المؤمن. (والتمييز) هو إخراج الشيء عما خالفه مما ليس منه، وإلحاقه بما هو منه. تقول مازه يميزه، وميزه تمييزاً. وامتاز امتيازاً وانماز انميازاً والخبيث الرديء من كل شيء. وضده الطيب. ومنه خبث الحديد وخبث الفضة، وخبث الانسان خبثاً، وتخبث تخبثاً، وتخابث تخابثاً وخبثه تخبيثاً و { الطيب } المستلذ من الطعام والطيب الحلال من الرزق، والطيب من الولد الذي يفرح به والطيب نقيض الخبيث، وهو الجيد من كل شيء.

وقيل المعنى ليميز الله ما انفقه المؤمنون في طاعة الله مما انفقه المشركون في معاصيه. وقوله { ويجعل الخبيث بعضه على بعض } معناه إن الكافر يكون على اسوء حال كالمتاع والركام، هواناً، وتحقيراً، وإذلالا.

وقوله { فيركمه جميعاً } معناه تراكب بعضه فوق بعضه. كالرمل الركام وهو المتراكب. ركمه يركمه ركماً وتراكم تراكماً وارتكم ارتكاماً. ومنه قوله تعالى في صفة السحابثم يجعله ركاماً } وقال الحسن يركمهم الله مع ما انفقوا في جهنم، كما قاليوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم } ثم اخبر انه اذا ركمه جميعاً يجعله في جهنم واخبر عنهم بأنهم الخاسرون نفوسهم باهلاكهم اياها بارتكاب المعاصي والكفر المؤدي إلى عذاب الابد.